للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالآكد فالآكد؛ لأنَّ الفرائضَ كثيرة: كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك، لكن قد تفضُل بعض هذه الأمور على غيرها، وما فَضَلَ على الغير فالمحافظة عليه آكدُ، مع أنَّ المحافظة على الكُلِّ واجبةٌ، وفيه فضلُ العلم على غيره من الأعمال؛ لأنَّه لا يعلم هذا وأمثاله إلَّا به.

(وحدَّ حدودًا) جمع حدٍّ، وهو لغة: الحاجز بين شيئين: الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر، سميت العقوبة حدًّا لكون ذلك يحجز الفاعل عن المعاودة.

قال الراغب: وتطلق الحدود ويُراد بها نفس المعاصيْ؛ لقوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} (١) وعلى فعلٍ فيه شيءٌ مقدّرٌ، / [١٢٣/أ] ومنه: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ} (٢) كأنَّها لمَّا فَصَلت بين الحلال والحرام سُمِّيتْ حدودًا؛ لما تقرَّر أنَّ الحدَّ الحاجزُ، فمنها ما زُجِر عن فعله، ومنها ما زُجِر عن الزيادة عليه والنقص منه (٣)، وحينئذٍ فقوله هنا: (وحدَّ حدودًا) ليس المرادُ به نفسَ المعاصي؛ لأنَّه يأتي في قوله: (وحرّم أشياء) , فإما أنَّ المراد: بيَّن لكم أمورًا وأذِن في فعلها واجبةً ومندوبةً ومباحةً وأمر بالوقوف عندها, (فلا تعدَّوها) أي: فلا تتجاوزوها إلى فعل ما نُهيتم عنه، وعليه فما قبله وبعده من ذكر العامِّ بعد الخاصِّ وعكسه (٤).


(١) سورة البقرة: (١٨٧).
(٢) سورة البقرة: (٢٢٩).
(٣) هذا الكلام لم أقف عليه من كلام الراغب في المفردات، ولكن وجدت النصَّ هذا في فتح الباري (١٢/ ٥٨).
(٤) قوله: (العامّ بعد الخاصِّ) هو أن يردَ عامٌّ يشتمل على أفراد، ثم يعطفَ عليه فردٌ من تلك الأفراد التي اشتمل عليها، فمثلًا قوله صلى الله عليه وسلم: «وحدَّ حدودًا فلا تنتهكوها» دلَّت على أنَّه فرض فرائض قد حدَّها -وقد سبقت هذه الجملة- ودلَّت أيضًا على أنَّ الله حرَّم أشياء وحدَّها -وهذه ستأتي في الجملة الآتية- فصارت من قبيل ذكر الخاصِّ بعد العامِّ بالنظر إلى ما قبلها، ومن قبيل ذكر العامّ بعد الخاصِّ بالنظر إلى ما بعدها، وهذان الأسلوبان يبحثهما البلاغيون في آخر علم المعاني، ويجعلونهما من أسباب الإطناب في الكلام المحمود، انظر: بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح (٢/ ٣٤٨).

<<  <   >  >>