للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال بعض الشُّرَّاح (١): لكنّ الأصحَّ أنَّ ما سكت عنه هو الذي / [١٢٣/ب] عفَا عنه، ووسَّع الأمر فيه على عباده، وفُهِمَ من سكوته عن ذلك رحمةً لنا -مع النهي عن البحث عنه-: أنَّه لا حكمَ قبل ورود الشَّرع, وهو الأصحُّ (٢).

وهذا الحديث تمسَّك به من يقتصر -كالظَّاهرية- على ظاهر الَّلفظ وينفي ما عداه ممَّا يفهم منه بإشارةٍ أو مُوافقةٍ أو مُخالفةٍ أو قياسٍ أو غيره، وما لاحكم له في النصوص يردُّوه إلى حكم ما قبل الشرع.

قال الطُّوفيُّ: (وهو ظاهر الحديث؛ لأنَّه نهْيٌ عن البحث عمَّا سكت عنه، فيكونُ على خلاف الشرع، فيكونُ مردودًا عملًا بخبر (٣): «كلُّ عملٍ ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ» وهذا الاستدلال ظنِّيٌّ، وأدلَّة القياسِ قاطعةٌ فلا يعارضها الظَّنُّ) (٤).

والحقُّ: أنَّ ما لم يرد فيه نصٌّ خاصٌّ أو عامٌّ: إن كان داخلًا في ذلك النصِّ ممَّا يؤخذ منه بإشارةٍ أو مُساواةٍ أو أوَّليٍّ أو مُخالفةٍ أو إلحاقًا لحكم المسكوت عنه بحكم المنطوق ونحوه؛ فالبحث عنه حقٌّ يتعيَّن على المجتهد بيانُهُ، وإلَّا فهو من التَّعمُّقِ والتنطُّعِ


(١) هو ابن حجر الهيتمي كما في الفتح المبين (٤٩٦).
(٢) هذه المسألة مشهورة عند العلماء بـ (حكم أفعال العقلاء قبل ورود الشرع) وهل المقصود بالأفعال جميع أفعال العبد الاختياريّة والاضطراريّة؟ خلافٌ في تحرير محلِّ النزاع، والمسألة طرفٌ من المسألة الشهيرة بـ (التحسين والتقبيح العقليِّ) وستأتي بتفصيل أكثر إن شاء الله, وفي مسألة الحكم قبل ورود الشَّرع -إجمالًا- ثلاثة أقوال: أولاها أنَّ أفعال العقلاء قبل الشرع على الإباحة، وهو قول بعض أصحاب المذاهب والمعتزلة، الثاني: أنّها على الحظر، وهو قول بعض أصحاب المذاهب لبعض المعتزلة أيضًا، والثَّالث: أنَّها على الوقف حتى يرد خطاب الشرع وهو قول كثير من العلماء والمحقِّقين، وقال الزركشيّ عن هذا القول: (إنَّه معتقد أهل السنة، وإجماع الأئمَّة الأربعة وأصحابهم). انظر: البرهان (١/ ١٣) المستصفى (٤٥) البحر المحيط (١/ ١٥٤) المعتمد للبصريّ (٢/ ٣١٥). وانظر تفاصيل الأدلَّة وما يتعلَّق بها في كتاب: التحسين والتقبيح العقليَّان وأثرهما في مسائل أصول الفقه للدكتور عائض الشهراني (٩٨ - ١٢٢).
(٣) في الأصل بدون الباء (خبر) والمثبت من (ب).
(٤) التعيين في شرح الأربعين (١/ ٢٣٠).

<<  <   >  >>