للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أيَّام، أوَّل يوم زهدت في الدنيا، والثاني زهدت في الآخرة، والثالث: في كل ما سوى الله فنوديت: ما تريد؟ قلت أريد أن لا أريد) جعل ترك ما سوى الله هو الزهد.

وقال الغزاليّ: (الزهد ترك طلب المفقود من الدنيا، وتفريق المجموع منها، وترك إرادتها واختيارها، وأصعب الكلِّ: ترك الإرادة بالقلب، إذ كم تاركٍ لها بظاهره محبٌّ لها بباطنه، فهو في مكافحةٍ ومقاساةٍ من نفسه شديدة، فالشَّأن كلُّه في عدم الإرادة القلبيَّة) (١).

ولهذا لما سُئل أحمدُ ابن حنبلٍ-رضي الله عنه- عَنْ من معه ألفُ دينارٍ أيكونُ زاهدًا؟ قال: (نعم بشرط ألّا يفرحَ إذا زادتْ، ولا يحزَنَ إذا نقصتْ) (٢).

وقال ابن القيِّم: (أحسنُ حدوده: أنَّه فراغ القلب من الدنيا لا فراغ اليد، وقد جهل قومٌ فظنُّوا أنَّه تجنُّب الحلال، فاعتزلوا النساء فضيَّعوا الحقوق، وقطعوا الأرحام، وجفوا الأنام، واكفهرُّوا في وجوه الأغنياء، وفي قلوبهم شهوة الغِنَى أمثال الجبال، ولم يعلموا أن الزهد إنما هو بالقلب، وأنّ أصله موت الشهوة القلبية، فلما اعتزلوها بالجوارح ظنوا أنهم استكملوا الزهد فأدَّاهم إلى الطعن في كثيرٍ من السلف والأئمة) (٣).

قال الطيبيُّ: (ولا يتصور الزهد ممَّن ليس له مال ولا جاهٌ، وقيل لابن المبارك: / [١٢٥/أ] يا زاهد قال: الزاهد عمرُ بنُ عبد العزيز، إذ جاءته الدّنيا راغمةً فتركها، أمَّا أنا ففيمَا (٤) زهِدت؟ ) (٥).

وقال الطُّوفيُّ: (الزاهد على أضربٍ: أحدها: الزهد في الحرام، وهو الزهد الواجب العام.


(١) منهاج العابدين إلى جنَّة ربِّ العالمين (٦٦ - ٦٧).
(٢) طبقات الحنابلة (٢/ ١٤)، وجامع العلوم والحكم (٢/ ١٨٣).
(٣) لم أقف عليه في كتب ابن القيم هكذا، وانظر طرفه الأول منه في عدة الصابرين (٥١٠). وانظر: نواد الأصول للحكيم (٢/ ٧٢) , وفيض القدير (٤/ ٧٢).
(٤) كذا في النسختين بإثبات الألف.
(٥) الكاشف عن حقائق السنن (١٠/ ٣٢٩٠).

<<  <   >  >>