للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثاني: الزُّهد في الشبهات، والأشبه وجوبه؛ لأنَّه وسيلةٌ إلى اتِّقاء الوقوع في الحرام (١).

الثالث: الزُّهد فيما عدا الضروريات من المباحات, وهو المراد من هذا الحديث [ظاهرا] (٢) وهو زهد الخواصِّ العارفين بالله تعالى.

الرابع: الزهد فيما سوى الله من دنيا وجنّةٍ وغير ذلك، فلا قصدَ لصاحب هذا الزهد إلا الوصول إليه تعالى وهو زهد المقرَّبين، ويندرج في ضِمنه كلُّ مقصودٍ, وكلُّ الصَّيد في جوف الفَرا (٣)) (٤).

وهل الدُّنيا ما على وجه الأرضِ إلى قيامِ السَّاعة، أو كلُّ موجودٍ قبل الحشرِ، أو ما سوَّاه اللَّيل والنَّهار, وأظلَّته السَّماء وأَقلَّتْه الأرض، أو الدِّرهم والدّينار، أو ما أدرك حسًّا، والآخرة ما أدركَ عقلًا، أو ما فيه شهوة النَّفس؟ أقوالٌ، رجّح النوويُّ الثَّاني (٥). والمراد هنا


(١) في (ب): (وسيلة إلى إبقاء الوقوع في الحرام). وكأنَّ (اتقاء) تصحفت إلى (إبقاء) والله أعلم.
(٢) ما بين معقوفتين زيادةٌ من نسخة (ب).
(٣) هو مثلٌ عربيٌّ، قَال ابن السكيت: الفَرَا الحِمَارُ الوَحْشِيُّ، وجمعه فِراء, قَالوا: وأصل المثل أن ثلاثة نَفَرٍ خرجوا متصيدين، فاصطاد أحدُهم أرْنَباً، والآخر ظبيًا، والثالث: حماراً، فاستبشر صاحب الأرنب وصاحب الظبي بما نالا، وتطاولا عليه، فقال الثالث: كُلُّ الصَّيْدِ في جوف الفَرا، أي هذا الذي رُزِقْتُ وظَفِرْتُ به يشتمل على ما عندكما، وذلك أنه ليس مما يصيده الناس أعْظَمُ من الحمار الوحشي, ورواه مرفوعًا أبو الحسن الرامهرمزي في الجزء السادس من أمثال الحديث (١٧٦) بسنده إلى نصْر بن عاصم الليثيّ قال أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش وأخَّر أبا سفيان ثمّ أذن له فقال: ما كِدتَ أن تأذن لي ... فقال له: وما أنت وذاك يا أبا سفيان؟ إنَّما أنت كما قال الأوَّل: كلُّ الصَّيد في بطن الفرا) قال السخاوي: جيِّد الإسناد مرسل، انظر: الأجوبة المرضيَّة للسخاوي (٣/ ١١٧٦ - ١١٨٠) والأمثال للعسكري (١٠) , ومجمع الأمثال للميداني (٢/ ١٣٦ (.
(٤) التعيين في شرح الأربعين (٢٣٣).
(٥) ورد في حاشية الأصلِ كلامٌ طويلٌ عن ابن حجر الهيتميِّ في شرحه، ونصُّه: (فائدة: قال ابن حجر في شرحه: واعلم أنَّ الذمَّ الوارد في الكتاب والسنة في الدنيا ليس راجعًا لزمانها وهو الليل والنهار؛ فإنَّ الله -تعالى- جعلهما خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورًا، ولا لمكانها وهو الأرض؛ لأنَّ الله -تعالى- جعلها لنا مِهَادًا، ولا إلى ما أودعه تعالى فيها من الجمادات والحيوانات؛ لأنَّ ذلك كلَّه من نعمه -تعالى- على عباده، قال تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} وإنما هو راجعٌ إلى الِاشتغال بما فيها عما خلقنا لأجله من عبادته تعالى، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ثم من بني آدم من أنكر المعاد، وهؤلاء هم أهل التمتع بالدّنيا، على أن منهم من كان يأمر بالزهد فيها، ويرى أن كثرتها توجب الهم والغم، ومن ثَمَّ قال أصحابنا: لا يكفي الخطيب عن الوصية بالتقوى الاقتصار على ذم الدنيا؛ لأن ذمها معلوم لكل أحد حتى لمنكري المعاد، وبقيتهم يقرون بالمعاد، لكنهم منقسمون إلى ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق بالخيرات، انتهى المقصود منه). وهو في الفتح المبين (٥٠٣).

<<  <   >  >>