للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو -تعالى- لا أوَّلَ له (١).

(وازهد فيما عند النَّاس) منها (يحبَّكَ النَّاسُ) حتَّى الجنُّ؛ لأنَّ قلوب أكثرهم مجبولةٌ مطبوعَةٌ عَلى حُبِّ الدُّنيا، ومن نازع إنسانًا في محبوبِه كرِهه وقَلَاه، ومن لم يعارِضه فيه أحبَّه واصطفاه؛ ولهذا / [١٢٥/ب] قال الحسن: (لا يزال الرَّجُل كريمًا على الناس حتى يطمعَ في دنياهم فيستخِفُّون به ويكرهون حديثه) (٢).

وقيل لبعض أهل البصرة: - (من سيِّدُكم؟ قال: الحسن، قيل: لم؟ قال: احتاجوا لعلمه، واستغنى عن دنياهم) (٣).

وقال ابن عطاء الله (٤): (الزهد فيما في أيدي النَّاسِ سببٌ لمحبة الخلق، والزهد فيما سوى الله سببٌ لمحبة الحقّ، فَمَن أحبَّ العطاء من الخلق دلّ على بعده من الله، فالعطاء منهم حِرمانٌ، والمنعُ منه (٥) إحسان، وحُكِيَ عن روح الله عيسى -عليه الصلاة والسلام- أنه لقي في سياحته قبيل الصبح رجلًا نائمًا فوكزه برِجله وقال: قُم، فقدْ سبقك العابدون، فقال: دعْني يا روحَ الله فإنِّي عبدته بأحبِّ العبادة إليه، فقال له: ما هي؟ قال: الزهدُ في الدنيا، فقال عليه السلام: نَمْ نَومَة العروس في خدرها فقد فُقْتَ


(١) المواقف (٢/ ١٦٢). وانظر هذا الكلام في سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد لمحمد الصالحي الشامي (١/ ٤٦٦). وهو ناقلٌ عن غيره أيضًا.
(٢) فيض القدير (١/ ٤٨١).
(٣) انظر: كشف المشكل (٣/ ١٤٢) , وصيد الخاطر (٥٠٩).
(٤) ابن عطاء الله السكندري هو أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم الشاذليّ، قال عنه ابن حجر: (صحب الشيخ أبا العباس المرسي، صاحب الشاذليّ، وصنف في مناقبه، ومناقب شيخه، وكان المتكلِّمَ على لسان الصوفية في زمانه، وهو ممن قام على الشيخ تقي الدين ابن تيمية فبالغ في ذلك). ومن تلاميذه تقي الدين السبكي، ومن أشهر كتبه (الحكم العطائية). توفي سنة (٧٠٩ هـ). انظر: الدرر الكامنة (١/ ٣٢٤).
(٥) في (ب): منهم.

<<  <   >  >>