للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العابدين) (١).

وفي الحديث دليلٌ على أنَّ الزهد أعلى المقامات وأفضلُها مطلقًا؛ (٢) لأنه جعله سببًا لمحبة الله، وأن مُحِبَّ الدنيا متعرّضٌ لبُغضِ اللهِ تعالى (٣).

خاتمةٌ: قالوا: الزهدُ يجتمع به خير الدنيا والآخرة، أما خير الدنيا فما يحصل من البركة وراحة القلب والبدن، وأما الآخرة فما يحصل من ثواب الزهد فيها وقلَّة الحساب، فإن الزهد يحملُه على إخراج الواجبات والتوقُّف في الشبهات وهي السَّعادة التامة.

قال العارف أبو الحسن الشاذليُّ (٤): دخل عليّ بالمغرب بعض الكُبراء فقال ما أدري لك كبيرَ عملٍ فَبِمَ فُقْتَ الناس وعظَّموك؟ قلتُ: بخصلةٍ واحدةٍ افترضها الله على نبيِّه تمسَّكْتُ بها: الإعراضُ عنهم وعن دنياهم، قال تعالى: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا} (٥)، وفي تركها الرَّاحةُ من الخواطر الرديَّة والتذلّل لها.

سئلَ السَّيِّدُ الجليل معروفٌ الكرخيُّ (٦) عن الطَّائعين بِمَ قدروا على الطاعة؟ قال:


(١) لم أقف عليه.
(٢) بل أعلى المقامات وأفضلها مطلقًا: هو مقام توحيد الله تبارك وتعالى, الذي من أجله خلق الله السماوات والأرض وما بينهما.
(٣) في الأصل: (متعرِّضٌ لمحبَّة الله) وهو خطأ, والمثبت من (ب).
(٤) هو أبو الحسن علي بن عبد الله الشاذلي المغربي الزاهد الصوفي، إليه تنتسب الطريقة الشاذلية، وسكن مدينة (شاذلة) التونسية، ويعتبر الشيخ أبو العباس المرسي أبرز أتباعه، وتوفي (٦٥٦ هـ) انظر: العبر في خبر من غبر (٣/ ٢٨٢). ولشيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله مصنّفٌ كبيرٌ طُبِع أخيرًا طبعةً كاملةً بعنوان: (الرَّد على الشَّاذليِّ في حزبيه، وما صنَّفه في آداب الطريق) يقع في ٢٥٠ صفحة، وهو جوابٌ عن استفسارٍ جاءه في بعض أوراد حزب الشيخ أبي الحسن الشاذلي.
(٥) سورة النجم: (٢٩).
(٦) معروف الكرخيُّ أبو محفوظ البغداديّ، واسم أبيه فيروز، وقيل: فيرزان، من الصابئة، قال فيه الذهبيّ: علم الزهاد، ذُكِرَ معروفٌ عند الإمام أحمد، فقيل: قصير العلم، فقال: أمسك، وهل يراد من العلم إلَّا ما وصل إليه معروفٌ! . مات سنة (٢٠٠ هـ). انظر: تاريخ بغداد (١٥/ ٢٦٣) سير أعلام النبلاء (٩/ ٣٤٠).

<<  <   >  >>