للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الحَرَّالي (١): والضَّرُّ بالفتح والضم: ما يُؤلم الظاهر من الجسم وما يتصل بمحسوسه في مقابلة الأذى، وهو إيلام النفس وما يتصل بأحوالها، وتُشْعِر الضمّةُ في الضُّرِّ بأنه عن قهرٍ وعلوٍّ، والفتحة بأنه ما كان من مماثلٍ (٢).

وفيه تحريم جميع أنواع الضرر إلَّا بدليل؛ لأنَّ النكرةَ في سياق النفيِ تعُمُّ (٣)، وكثيرٌ ما يحذف خبر (لا) التي لنفي الجنس كما هنا (٤)، أي: لا لحوقَ أو إلحاقَ، أولا فعلَ ضررٍ أو إضرارٍ بأحدٍ في ديننا, أي: لا يجوز شرعًا إلّا لموجبٍ.

وقُيِّد النَّفي بالشرع؛ لأنه بحكم القدر الإلهيِّ لا ينتفي، وقد خُصَّ منه ما ورد لحوقُهُ بأهله, كالحدود والعقوبة على الجانيْ وذبح ما يؤكَل, فإِنّها ضررٌ لاحِقٌ بأهله وهو مشروعٌ إجماعًا.


(١) هو أبو الحسن علي بن أحمد بن حسن التجيبيُّ الحرَّاليُّ، وصفه الذهبيُّ بالعلامة المتفنن، وحرَّالة: قرية من عمل مرسية، ولد بمرَّاكش، وأخذ النَّحو عن ابن خروف، ولقي العلماء، وجال في البلاد، قال الذهبيُّ: (فمن شاء فلينظر في تواليفه، فإن فيها العظائم، وكان شيخنا ابن تيمية وغيره: يحُطُّ على كلامه ويقول: تصوُّفه على طريقة الفلاسِفة). مات (٦٣٧ هـ) انظر: سير أعلام النبلاء (٢٣/ ٤٧) وتاريخ الإسلام (١٤/ ٢٤٦).
(٢) نظم الدُّرر للبِقاعي (٢/ ٧٩).
(٣) خلاصة الكلام في هذه القاعدة هو: أنَّ دلالة النكرة في سياق النَّفي على العموم نوعان, أحدهما: نصٌّ في العموم، وهو ما إذا بنيتْ لتركُّبِهَا مع (لا) نحو: (لا إله إلا الله) , والثاني: ظاهرةٌ في ذلك، وهو ما إذا لم تُبْن مع (لا) بل أعربتْ, نحو: (لا رجلٌ في الدار)، فإنه يصحُّ أن يقال بعده: (بل رجلان)، فدلَّت هذه القرينة على أنَّها ليست نصًّا في العموم. انظر: الغيث الهامع شرح جمع الجوامع لأبي زرعة العراقي (ص ٢٨٢ (, والقواعد والفوائد الأصوليَّة لابن الَّلحام (ص ٢٧٤) , وهي هكذا مقرَّرةٌ في كتب النحويّين, انظر مثلًا: الكواكب الدُّرِّيَّة في شرح متممّة الأجروميَّة (١/ ٢٨٠). ومن هنا تَعرِف ما في كلام الإمام القرافيِّ -رحمه الله- لمَّا قال: (وأمَّا النَّكرة في سياق النَّفي فهي من العَجَائبِ في إطلاق العلماء من النُّحاة والأصوليِّين! , يقولون: النَّكرة في سِياق النَّفي تعُمُّ، وأكثر هذا الإطلاقِ باطلٌ) شرح تنقيح الفصول (ص: ١٨١).
(٤) انظر: شرح ابن عقيل (١/ ٣٧٧).

<<  <   >  >>