(٢) أطال الطوفيُّ في هذه المسألة في شرح هذا الحديث، وقد ذهب إلى منحىً بعيدٍ لا يوافقه عليه أهل العلم رحمهم الله، من ذلك أنه رأى أنّ: (رعاية المصلحة أقوى من الإجماع، ويلزم من ذلك أنَّها أقوى أدلَّة الشرع؛ لأنَّ الأقوى من الأقوى أقوى) ص (٢٣٩) وأيضًا ذهب إلى أنَّ الإجماع ليس بحجة ص (٢٥٦) وإن كان قيَّد كلامه بالإجماع في العبادات والمعاملات في (ص ٢٥٠)! والمصيبة العظمى: أنّه حمَّل الاِختلاف بين الأمَّة والشقاق على النصوص الشرعيًّة في ص (٢٥٩)! . إلى غير هذه المسائل التي خالف فيها علماء الأمة, وقد استلَّ هذا الجزءَ بعضُ العلماء ونشروه مفردًا, منهم: جمالُ الدِّين القاسميُّ، وشرحَه ونشره في مجلَّة المنار في المجلَّد التاسع، في الجزء العاشر الصَّادر عام (١٩٠٦ م). (٣) قال النوويُّ في المنهاج (٢٦١): (والجدار بين المالِكَين قد يختصُّ به أحدهما، وقد يشتركان فيه، فالمختصُّ: ليس للآخَر وضع الجذوع عليه في الجديد)، وقال الشِربينيِّ في شرحه: (وقد يقتضي التعبير بالجديد بأنَّ مقابلَه قديمٌ محضٌ، وليس مرادًا بل هو منصوصٌ عليه في الجديد أيضًا، حكاه البويطيُّ عن الشافعيِّ، وهو من رواة الجديد). مغني المحتاج (٣/ ١٧٨). وانظر: فتح العزيز (١٠/ ٣١٥). وذكر البغويُّ في شرح السنة (٨/ ٢٤٧): أنّ أكثر أهل العلم على عدم الإجبار، وأجابوا عن الخبر بجوابين: أحدهما أنّه محمول على الندب والاستحباب، وحسن الجوار، وثانيهما: ما قاله الإسنوي: أنّ الضمير في (جاره) يعود إلى المالك، وقد تعقّبه ابن التِّين بأنه إحداث قول ثالثٍ في تفسير الخبر! ثمّ تعقّب عليه ابن حجر، انظر: فتح الباري (٥/ ١١١)، ونقل الحافظ عن البيهقيِّ من الشافعية أنّه قال: (لم نجد في السُّنن الصحيحةِ ما يعارض هذا الحكم إلا عموماتٌ لا يستنكرُ أن نخصّها). ولعلّ الأحسنَ-والله أعلم-: هو أنَّ حديث الباب - «لا ضرر ولا ضرار» - مخصَّصٌ بحديث أبي هريرة رضي الله عنه، لقضاء عمرَ بن الخطَّاب رضي الله عنه، رواه مالك في الموطَّإ (٢/ ٧٤٢) بسندٍ صحيحٍ، والله أعلم. (٤) الجِذع: بالكسر ساق النخلة، ويسمى سهم السقف جذعًا والجمع جذوع وأجذاع. المصباح المنير (١/ ٩٤).