للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحرير، فقال يا أميرُ: بِكَمْ هذا الذِّراعُ؟ قال: بدينارٍ، قال: من الصوف ما كلّ ذراعٍ منه بدنانيرَ، ومماليكُكَ وخدَمُك يشاركونك في لُبس الحرير، ولا يليق بشَهامتك أن يُساووكَ؛ فاعدل إلى الصوف؛ فإنَّه أعلى وأغلى، مع ما فيه من السلامة من العقاب الأخرى! (١) فاستحسن كلامه وترك الحرير (٢)،

ولو قال له ابتداءً: هذا حرامٌ فاتركه لم يُفِدْ، فهذا النوع من الرفق والتلطف واجبٌ فيمن يليق به.

وقول الشيخ الهيتميِّ: عقب قوله: (فبلسانه): (أي: بقوله المرتَجَى نفعه) (٣): غير سديدٍ؛ إذ لا يُلائِمُ المصحَّحَ في مذهبه في وجوب / [١٢٩/ب] الإنكار, وإن عَلم أنه لا يفيد، كما نَقَل هو عن الروضة (٤) -بعد ذلك- أنَّه حكى عليه فيها إجماع العلماء وانتصر له وردَّ على من خالفه (٥).


(١) في (ب): (الأخروي).
(٢) انظر: طبقات الشافعية الكبرى (٢/ ٥٩ - ٦٠) ..
(٣) الفتح المبين (٥٤١).
(٤) روضة الطالبين (١٠/ ٢١٩).
(٥) قال الهيتميّ: (وسواءٌ أعَلم عادةً أنَّ كلامه لا يؤثِّر أم لا؛ على ما في (الروضة) للمصنف، لكن خالفه كثيرون فقالوا أخذًا من أحاديثَ مصرِّحة بذلك: إذا علم ذلك سقط الوجوب عنه، ونقل الإمام عليه الإجماع، لكنَّه ليس في محلِّه، بل ظاهر كلام المصنِّف: أن الإجماع على الأوَّل؛ فإنه نقله عن العلماء، وهذه الصيغة تفيد الإجماع أو الأكثر منهم). الفتح المبين بشرح الأربعين (ص: ٥٤١).

واختار بعض العلماء منهم العلَّامةُ محمَّدٌ الأمينُ الشَّنقيطيُّ -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: ... {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} أنَّه إذا كان الإنكارُ لا يُجْدِيْ نفعًا -بأن عَلِم عادةً أنَّ كلامه لا يؤثِّر- فيجبُ عليه أن ينكِرَ أوَّلًا إقامةً لِلحجَّة, وتبرئةً للذِّمَّة, ويندبُ الإنكار عليه بعد ذلك, ثمَّ ذكر الشَّيخُ الأمينُ -رحمه الله- أنَّ للذكرى ثلاثَ حِكَمٍ: خروجُ فاعلها من عُهْدة الأمرِ بها, ورجاءُ النَّفع لمن يوعظ بها, وإقامةُ الحجَّة على الخلق, قال: ) فالنبي صلى الله عليه وسلم إذا كرَّر الذكرى حصلت الحكمة الأولى والثالثة، فإن كان في الثانية طمع استمر على التذكير وإلا لم يكلف بالدوام، والعلم عند الله تعالى, وإنَّما اخترنا بقاء الآية على ظاهرها -مع أنَّ أكثر المفسِّرين على صرفها عن ظاهرها المتبادر منها، وأنَّ معناها: فذكر مطلقا إن نفعت الذكرى، وإن لم تنفع- لأنَّنا نرى أنَّه لا يجوز صرف كتاب الله عن ظواهره المتبادرة منه إلَّا لدليلٍ يجب الرُّجوع له، وإلى بقاء هذه الآية على ظاهرها. انظر: دفعَ إيهام الاضطراب (٢٥٩ - ٢٤٠).

<<  <   >  >>