للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شُبْهَتُه جدًّا كنكَاحِ مُتْعَةٍ، ولا يناقضُ الحديثَ: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}؛ (١) لأنَّ معناه: إذا فعلتمْ ما أُمرتمْ به لا يضرُّكم تقصيرُ غيرِكم.

وظاهر الحديثِ: أنَّه يلزمه الأمر والنهي وإن كان هو لم يمتثلْ ذلك، وبه صرَّح في رواية الطبرانيِّ من حديث أنسٍ: «قلت يا رسول الله: لا نأمرُ بالمعروف حتى نفعلَه، ولا ننهَى عن المنكر حتَّى نجتنبَه، فقال: مُرُوا بالمعروف وإن لم تفعلوه، وانهَوا عن المنكر وإن لم تجتنبوه كله» (٢).

أي: لأنَّه يجب ترك المنكر وإنكاره، فلا يسقُط بترك أحدهما وجوب الآخر، ولهذا قيل للحسن: فلانٌ لا يعظُ، ويقول: أخاف أن أقول ما لا أفعل، فقال وأيُّنا يفعل ما يقول؟ ودَّ الشيطان لو ظفر بهذا، فلم يأمر أحدٌ بمعروفٍ، ولم ينهَ عن منكرٍ (٣).

ولو توقَّف الأمرُ والنَّهيُ على الِاجتناب لرُفع الأمرُ بالمعروف، وتعطَّل النَّهيُ عنِ المنكر،


(١) سورة المائدة: (١٠٥).
(٢) رواه الطبرانيّ في المعجم الأوسط (٦/ ٣٦٥) من طريق عبد القدوس بن عبد السلام بن عبد القدوس، حدثني أبي، عن جدِّي، عن الحسن، عن أنس بن مالك قال: قلنا: يا رسول الله، لا نأمر بالمعروف حتى نعمل به، ولا ننهى عن المنكر حتى نجتنبه كله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل مروا بالمعروف، وإن لم تعملوا به كله، وانهوا عن المنكر، وإن لم تجتنبوه كله» وهو حديثٌ ضعيفٌ جدًّا، قال العراقيّ: في عبد القدوس: (أَجمعُوا عَلَى تَركه)، انظر: المغني عن حمل الأسفار (ص ٨١١)، وضعَّفه أيضًا الهيثمي في المجمع (٧/ ٢٧٧).
(٣) لم أقف عليه بلفظه، لكن أخرج قريبًا منه: عبد الله بن أحمد في الزهد (ص ٢١٧) من طريق شيبان، والرامهرمزيّ في المحدِّث الفاصل (ص ٣٥٤) من طريق شعيب بن زريق، أنَّه سمع عطاء الخراسانيّ، كلاهما عن الحسن أنّه قال للعلاء بن الشخّير: حدِّثنا يا علاء، قال: إنَّا لم نبلغ ذلك يا أبا سعيدٍ، قال الحسن: «فأيُّنا يبلغ ذلك؟ والله لولا ما اعتقده الله تعالى [أي: عقده] على العلماء لم ننطق، ودَّ الشيطان لو يمكِّنونه من هذا». وهو سندٌ صحيح.

<<  <   >  >>