للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وانسدَّ بابُ النَّصيحة التي حثَّ الشَّارعُ عليها، سيَّما في هذا الزمان الذي صار التلبُّس فيها بالمعاصي شعارَ الأنام، ودثارَ الخاصِّ والعامِّ! .

ولهذا قال العارفُ ابن عربيٍّ (١): لو كُشِفَ لوليٍّ أنَّ فلانًا لا بدَّ أن يزنيَ بفلانةَ، أو يشربَ الخمرَ لزمه النَّهيُ ولم يسقُطْ عنه؛ لأنَّ نور الكشف لا يطغى (٢) نورَ الشَّرْع، فمشاهدته من طريق الكشْفِ لا يسقط النهي عنه؛ لأنَّه -تعالى- تعبَّدَنا بإزالة المنكر، وإن شهدنا كشفًا أنَّه [منكرٌ] (٣)

متحتِّمُ الوقوع، ولا يعارِض ذلك: أنَّ المصطفى: (رأى في النَّار قومًا يدورون كما تدور الرَّحَى، فسأل جبريلَ، فقال: كانوا يأمرون بالمعروف ولا يفعلونه، وينْهَون عن المنكر ويفعلونه) (٤)، ما ذاك إلَّا لأنَّ تعذيبهم إنما هو على [فعل] (٥) المنكر،


(١) هو محمَّد بن علي بن محمد بن عربيّ، أبو بكر الحاتمي الطائي الأندلسي، المعروف بمحيي الدين ابن عربي، وهو كما يقول الذهبي: (قدوة القائلين بوحدة الوجود)، وهو صاحب شطحاتٍ كثيرة، وأقوال مخالفة للشريعة، لا سيَّما في كتابه (فصوص الحكم)، وقد اختلف الناس في شأنه اختلافًا كثيرًا، يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة: (وإنما كنت قديمًا ممن يحسّن الظن بابن عربيّ ويعظّم؛ لما رأيت في كتبه من الفوائد مثل كلامه في كثير من "الفتوحات " ... ولم نكن بعدُ اطلعنا على حقيقةِ مقصوده، ولم نطالع الفصوص ونحوه، وكنا نجتمع مع إخواننا في الله نطلب الحق ونتبعه، ونكشف حقيقة الطريق، فلما تبيَّن الأمرُ عرفنا نحن ما يجب علينا). مجموع الفتاوى (٢/ ٤٦٥ و ٢/ ١٣٠). انظر: لسان الميزان (٥/ ٣١١ - ٣١٥)، وطبقات المفسرين للسيوطي (١١٣ - ١١٤)، وتنبيه الغبيّ إلى تكفير ابن عربيّ للبِقاعيِّ (١٨) وما بعدها.
(٢) كذا في النسختين, ولعلها (لا يطفئ) والله أعلم.
(٣) ما بين معقوفتين زيادة من نسخة (ب) ..
(٤) أخرجه في صحيحيهما: البخاريّ في كتاب الفتن، باب الفتنة التي تموج كموج البحر، (٩/ ٥٥، ح ٧٠٩٨)، ومسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله، (٤/ ٢٢٩٠، ح ٢٩٨٩) كلاهما من طرقٍ عن الأعمش عن شقيقٍ عن أسامة بن زيدٍ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقْتابُ بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرَّحى، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه». واللفظ لمسلمٍ. وتندلق أقتاب بطنه: أي: إذا خرجت أمعاؤه. انظر: مقاييس اللغة (٢/ ٢٩٧)، وقال ابن السكيت: واحدها قِتْب، وهي مؤنثة، وتصغيرها قُتَيبة، وبه سمي قُتَيبة. انظر: إصلاح المنطق (ص ٣٠٣).
(٥) في النسختين: (ترك المنكر) , لكن أشيرَ في هامش نسخة الأصل أنَّ في نسخة (ظ وق): (فِعْل) , وبها يستقيم المعنى.

<<  <   >  >>