للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حسَدَ إلا في اثنتين» (١) فالمراد به فيه الغبطة، فالحسد حقيقيٌّ ومجازيٌّ، فالحقيقيُّ: تمنِّي زوال النعمة، والمجازيُّ: تمنِّي مثلها (٢)، وتسمَّى غبطةً، وهو مباحٌ في الدّنيوي، مندوبٌ في الأخرويِّ.

فإن قيل: إذا وقع في خاطرِ إنسانٍ كراهة آخر بحيث بلغت به كراهته إلى أن تمنَّى زوال نعمته, لكنَّه لم يسمع (٣) في ذلك, ولا أظهره له, ولا رتَّب عليه مقتضاه, كيف يأثم به والخواطر مرفوعةٌ عن هذه الأمة؟

قلنا: إذا لم يسترسل ولم يتسبَّب في تأكيد أسباب الكراهة المؤدِّية لذلك، وكان مع هذا التمنِّي بحيث لو تمكَّن من إزالته تلك النعمة لم يُزلها, ولم يسعَ في إخراجها عنه، وإنَّما عنده خاطرٌ لا يمكن دفعه فلا حرج عليه ,كما قال الحافظ العراقي (٤).

قال: وقد رُوي في التَّمهيد عن الحسن: (ليس أحدٌ من ولد آدم إلا وخُلِقَ معه الحسد، فمن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم لم يتبعه منه شيءٌ) (٥) كما يشير إليه حديث: «إذا حسدتُمْ فلا تبغُوا، وإذا ظننتم فلا تحققوا» (٦)،

وفي حديث آخر: «ثلاثةٌ لا يسلم منها


(١) أخرجه البخاريّ في صحيحه كتاب العلم، باب الاغتباط في العلم والحكمة (١/ ٢٥، ح ٧٣)، ومسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه (١/ ٥٥٨، ح ٢٦٦).
(٢) في الأصل: (تمنِّي زوال مثلها)! والمثبت من (ب) وهو الصواب.
(٣) في (ب): لم يسعَ.
(٤) طرح التثريب (٥/ ٢٥٥).
(٥) أخرجه ابن عبد البرِّ في التمهيد (٦/ ١٢٤). والحسن هو البصريّ.
(٦) ذكره ابن عبد البرِّ في التمهيد (٦/ ١٢٥) وقال: (روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسنادٍ لا أحفظه في وقتي هذا). وقد أخرجه الخطيب في المتفق والمفترق (٣/ ١٤٨٣)، وابن عديٍّ في الكامل (٥/ ٥٠٩)، وأبو بكر الشافعيّ في الغيلانيَّات (٤٢٦) عن عبد الله بن سعيد المقبريّ عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا، وسنده ضعيفٌ جدًّا؛ لأنَّ عبد الله بن سعيدٍ متَّهم بالكذب، انظر: تهذيب التهذيب (٥/ ٢٣٧).
وضعَّف الحديث: عبد الحقِّ في الأحكام الوسطى (٣/ ٣٠)، وابن القطَّان في بيان الوهم والإيهام (٣/ ٤٨٩، ٥/ ٧٤٩). والألباني في الضعيفة (٥/ ٥١٤).

تنبيه: عزا جماعة من أهل العلم الحديثَ إلى ابن ماجه كالحافظ ابن حجر في تسديد القوس -كما أفاده الألباني في غاية المرام (١٨٥) -، والسيوطيّ في الجامع الصغير وفي الكبير، مع أنّ الحديث الموجود في ابن ماجه (٢٢٢٢) من رواية محاربٍ عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: «وإذا وزنتم فأرجحوا» دون باقي الحديث، وإذا كان ذلك كذلك فعزو الحديث بتمامه إلى ابن ماجه فيه نظرٌ لا يخفى.

<<  <   >  >>