والاطلاع على ما في البيت، فأعظم ذلك أكابرهم، وتضرعوا إليه في الكف فأبى، وظن أنه بيت مالٍ، ففض الأقفال عنه ودخله فأصابه فارغاً لا شيء فيه إلا تابوتاً عليه قفل، فأمر بفتحه فألفاه أيضاً فارغاً ليس فيه إلا شقة مدرجة قد صورت فيها صور العرب على الخيول وعليهم العمائم، متقلدي السيوف، متنكبى القسى، رافعى الرايات على الرماح، وفي أعلاها كتابة بالعجمية فقرئت فإذا هي: إذا كسرت هذه الأقفال من هذا البيت وفتح هذا التابوت فظهر ما فيه من هذه الصور فإن الأمة المصورة فيه تغلب على الأندلس وتملكها، فوجم لذريق وعظم غمه وغم العجم وأمر برد الأقفال وإقرار الحراس على حالهم.
وكان من سير الأعاجم بالأندلس أن يبعث أكابرهم إلى بساط الملك ليتأدبوا بأدبه، وينالوا من كراماته، حتى إذا بلغوا أنكح بعضهم بعضا استئلافاً لآبائهم، وحمل صدقاتهم وتولى تجهيز إناثهم إلى أزواجهن؛ فاتفق أن فعل ذلك يليان عامل لذريق على سبتة، وجه ابنةً له بارعة الجمال تكرم عليه، فوقعت عين لذريق عليها فأعجبته فاستكرهها على نفسها واحتالت حتى أعلمت أباها بذلك سراً بمكاتبةٍ خفيةٍ، فأحفظه شأنها وقال: ودين المسيح لأزيلن سلطانه! وكان امتعاضه من فاحشة ابنته السبب لفتح الأندلس بالذي سبق من قدر الله سبحانه؛ ثم إن يليان ركب بحر الزقاق من سبتة في أصعب الأوقات في شهر ينير، وأقبل حتى احتل بطليطلة حضرة لذريق، فأنكر عليه مجيئه في ذلك الوقت وسأله عن السبب في ذلك، فذكر له أن زوجته اشتد شوقها إلى ابنتها التي عنده، وتمنت لقاءها قبل الموت، وألحت عليه في إحضارها،