فحبس الله تعالى عنهم المطر حتى غارت عيونها ويبست أنهارها، فهلك أكثرهم وفر من قدر على الفرار منهم فأقفرت الأندلس وبقيت خالية مائة عامٍ، وملكها إشبان ابن طيطش، وهو الذي غزا الأفارقة وحاصر ملكهم بطالقة، ونقل رخامها إلى إشبيلية وبه سميت، فاتخذها دار مملكته وكثرت جموعه فعلا في الأرض وغزا من إشبيلية إيلياء بعد سنتين من ملكه، خرج إليها في السفن وهدمها، وقتل من اليهود مائة ألفٍ واسترق مائة ألفٍ، وفرق في البلاد مائة ألف، وانتقل رخام إيلياء وآلاتها إلى الأندلس؛ والغرائب التي أصيبت في مغانم الأندلس كمائدة سليمان التي ألفاها طارق ابن زياد بكنيسة طليطلة، وقليلة الدر التي ألفاها موسى بن نصير بكنيسة ماردة، وغيرهما من الذخائر، إنما كانت مما حازه صاحب الأندلس من غنيمة بيت المقدس إذ حضر فتحها مع بخت نصر.
وذكروا أن الخضر وقف بإشبان هذا وهو يحرث الأرض بفدانٍ له أيام حداثته فقال: يا إشبان، إنك لذو شأنٍ، وسوف يحظيك زمان، ويعلي سلطان، فإذا أنت تغلبت على إيلياء فارفق بورثة الأنبياء! فقال له إشبان: أساحر أنت رحمك الله أني يكون هذا، وأنا ضعيف مهين حقير؟ فقال: قدر ذلك من قدر في عصاك اليابسة ما تراه! فنظر إشبان إلى عصاه فرآها قد أورقت، فريع لما رأى وذهب الخضر عنه؛ وقد وقر ذلك الكلام في نفسه والثقة بكونه، فترك الامتهان وداخل الناس، وصحب أجل الناس وسما به جده فارتقى في طلب السلطان حتى نال منه عظيما، وكان ملكه عشرين سنة، واتصلت مملكة