وقد استدل بعضهم للمسألة بحديث عبد الله بن بريدة عن أبيه: أن أمة سوداء أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجع من بعض مغازيه - فقالت: إني كنت نذرت إن ردك الله صالحا (وفي رواية: سالما) أن أضرب عندك بالدف [وأتغنى]؟ قال: (إن كنت فعلت (وفي الرواية الأخرى: نذرت) فافعلي وإن كنت لم تفعلي فلا تفعلي). فضربت فدخل أبو بكر وهي تضرب ودخل غيره وهي تضرب ثم دخل عمر قال: فجعلت دفها خلفها (وفي الرواية الأخرى: تحت إستها ثم قعدت عليه) وهي مقنعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان ليفرق (وفي الرواية: ليخاف) منك يا عمر أنا جالس ههنا [وهي تضرب] ودخل هؤلاء [وهي تضرب] فلما أن دخلت [أنت يا عمر] فعلت ما فعلت (وفي الرواية: ألقت الدف)، أخرجه أحمد والسياق له والرواية الأخرى مع الزيادات للترمذي وصححه هو وابن حبان وابن القطان وهو مخرج في " الصحيحة " (١٦٠٩ و ٢٢٦١) وسكت عنه الحافظ في " الفتح " (١١/ ٥٨٧ - ٥٨٨)، وقد ترجم لحديث بريدة هذا جد ابن تيمية - رحمهما الله تعالى - في " المنتقى من أخبار المصطفى " بقوله: باب ضرب النساء بالدف لقدوم الغائب وما في معناه. قلت: وفي الاستدلال بهذا الحديث على ما ترجم له وقفة عندي؛ لأنها واقعة عين لا عموم لها، وقياس الفرح بقدوم غائب مهما كان شأنه على النبي - صلى الله عليه وسلم - قياس مع الفارق كما هو ظاهر؛ ولذلك كنت قلت في " الصحيحة " (٤/ ١٤٢) عقب الحديث: وقد يشكل هذا الحديث على بعض الناس لأن الضرب بالدف معصية في غير النكاح، والعيد، والمعصية لا يجوز نذرها، ولا الوفاء بها، والذي يبدو لي في ذلك: أن نذرها لما كان فرحا منها بقدومه عليه السلام صالحا منتصرا اغتفر لها السبب الذي نذرته لإظهار فرحها خصوصية له - صلى الله عليه وسلم - دون الناس جميعا فلا يؤخذ منه جواز الدف في الأفراح كلها؛ لأنه ليس هناك من يفرح به كالفرح به - صلى الله عليه وسلم - ولمنافاة ذلك لعموم الأدلة المحرمة