يخرجَ فلم يخرج وحُبس بغير مشيئته كان كاذبا في تمدحه بقوله: ما يخرج
فلان إلا أن أشاء وإذا شئت إطلاقه أطلق، فهذه الآيات دالة على صحةِ ما
نقوله ونذهب إليه، وعلى إبطال ظن الملحدة والقدرية.
وأما تعلُّقهم بقوله: (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) .
وقوله: (فَمَا لَهُم لَا يُؤْمِنُونَ) ، ونحو ذلك، فإنه غير معارضٍ
لإخباره بإضلالهِم والطبعِ على قلوبهم، لأنه إنما وردَ ذلك على مذهب
الترغيب والحث لهم على اكتساب الإيمان، وليس بينَ ترغيبهم وحثهم على
اكتساب الإيمان بالقول وبينَ إضلاله لهم بالفعل تنافي ولا تضاد.
ويمكن أيضا أن يكون إنما قال ذلك على وجه الرد لقول من يقول إنهم
ممنوعون من فعل الإيمان لعجز وآفة، وغير قادرين عليه، ولا على تركه.
وأنّهم مجبرون على الكفر الذي وقعَ منهم، فأخبرَ أنّهم غير ممنوعين ولا
مجبرين، وأنّهم مختارون لترك الإيمان ومؤثرونَ للكفر عليه، وأن ما كان
منهم لم يكن على وجه الجبر والاضطهاد، وذلك غير منافٍ لإخباره
بإضلالِهم، وإن كانوا مختارين ومؤثرين له، فبطل ما توهّموه.
فأمَّا تعلقهم في ذلك بذمِّ العصاة ونهيهم عن المعاصي، وأنَّه لا ينهى
عما قضى وقدَّر وخلقَ وينهى عنه، فإنه باطل لأنه لم ينهَ العصاة عن خلقِ
معاصيهم وإيجادها وتقديرها، لأن ذلك مما لا يصحُّ منهم فعْلُه ولا تركُه ولا
يدخلُ تحت قدرهم، وإنَّما ينهاهم عن اكتساب ما خَلقه وهم على ذلك
قادرون ولما خلقه فيهم مكتسبون، وأثابهم وعاقبهم على اكتسابهم للأفعال
التي هي متعلقة بهم، فالثوابُ على الخلق، والعقاب والذمُ عليه ليس يتوجه
من حيث كان خلقا غير متعلِّق بالمكلف، ولكن من حيث كان كسبا مقدوراً