الرسول والقدحِ في عدالته، لأنه إذا فعلَ مِنْ ذلك ما لم يأذن اللهُ له فيه من
جهة نص أو اجتهاد، فقد عصى الله بذلك، وتقدم بينَ يديه وافتاتَ في دينِ
الله وحكَمَ فيه بهواهُ وذلك نقيضُ وصفه عزَ وجل له في قوله: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤) .
وإن جاز ذلك عليه لم نأمَنْه منه في جميعِ ما أدَّاه ووضعَه من الشرع.
وليس يجوزُ لمسلمٍ أن يقطعَ على تخطئةِ أدنى المؤمنين منزلةَ في قولٍ
أو فعلِ وهو يجدُ سبيلاً إلى حملِ ذلك منه على تأويلِ يُخرجهُ عن الخطأ
والعصيان، فضلاً عن الرسول عليه السلام ونحن نجد للآية من التأويل ما
يوجبُ نفيَ ما قالوه عن الرسول عليه السلام، وعلى كل حالٍ فلا بد من أن
يكون له في الأسرى حكم شرعى أو حكم عقلي، فإن كان له حكم شرعي
في ملَّة الرسول عليه السلام فلا يجوزُ أن يخفى ذلك عليه باتفاق.
وإن لم يكن له في ذلك حكم شرعي وجبَ تبقيتهم في أنفسهم
وأموالهم على حُكم العقل، فإما أن تكون أنفسُهُم في العقل وأموالُهم مباحةً
أو محظورةً، وكل ذلك لا يوصفُ بأنه مباح ولا محظور، ولا بُدَّ أن يكون
النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلمَ الناس به، لمان كان ذلك مباحا في العقل أو غيرَ محظورِ فيه، وإن لم يوصف بإباحةٍ ولا حظرٍ لم يكن في أخذ الأموال منهم جرم، لأن حكمَ العقل الواجبُ التمسُّكُ به إلى حين نقلِ السمعِ له إلى غيره، فلا عيبَ على فاعله، وإن كان ذلك محظوراً في العقل ولم يَرد السمعُ على الرسول - صلى الله عليه وسلم - لإطلاقه وتغيير حكمه فقد ركب عليه السلام محظوراً مخالفا لحكم الله وذلك منتفٍ عنه - صلى الله عليه وسلم - وإذا كان ذلك كذلك بطلَ قولُ من زعمَ أنَّه فعلَ من ذلك ما لم يكن له بنصٍّ ولا اجتهادٍ.