وقد اعتذر قوم منهم في هذا بأن قالوا: ما فَعلَه الرسول من أخذ الفداء
ممن أخذه، كان هو الصوابُ عند الله والأنظرُ للأمَّة ِ والأقوى والأصلحُ في
باب الدين، ولكن إنما عاتبَه لأنه فعلَ الذي هو الأصلحُ والأولى من غير أن
يأمرَ الله به، فلامَه وعنَّفه على ذلك لفِعْلِه قبلَ أمره، وإن كان لو أمرَه لم
يأمرْه إلا بذلك بعينه.
قالوا: وعلى هذا نجدُ كثيراَ من السادة يلومون مَنْ تَحتَ طاعَتِهم على
فِعل الأصلحِ والأصوبِ الذي لو أمروهم لم يأمروهم إلا به، لأجل فِعْلهم له
بغير إذنِ منهم، وهذا الاعتذار غيرُ مخلِّصِ لهم مما ألزمناهم وإن كان ما
فعله النبي هو الأنظرُ للدِّين والمسلمين، لأنه لا بُدَّ إذا لم يكن أمَره به من أن
يكون قد نهاه عنه، وحظَرَه عليه في عَقلِ أو سَمع، أو لا يكون ناهيا له عنه، وإن كان ناهيا له عنه، فقد أخطأ واعتمدَ تركَ الصواب، ومخالفةَ النهي.
وهذا تصريح بالقدح فيه والطعنِ في عدالته وأمانته حاشاه من ذلك، وإن
كان غيرَ ناهٍ له عنه ولا محرّم لفعله في عقلِ ولا سَمعِ فلا عيبَ عليه ولا وجه
لقوله: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى) وهو قد جعلَ له ذلك، وهذا ما لا
مَخرجَ لهم منه.
وقد احتجَّ قوم بهذه الآية في إبطال الاجتهاد جملة، واحتج بها آخرونَ
في إبطال اجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه لم يكن مأمورا بذلك، وهذا الاحتجاجُ باطل من قولهم، وذلك أنّه لا يخلو النبي - صلى الله عليه وسلم - من أن يكونَ اجتهد، أو لم يجتهد
وإن كان لم يجتهد فلم يُبْطل اللهُ اجتهادا له ولا لامَه عليه ولا خطَّأه فيه، وإن
كان قد اجتهدَ وحكَمَ برأيه، فقد أقرُّوا أنه كان مجتهدًا.
فإن قالوا: كان مأمورا بالاجتهاد فقد أبطلوا قولهَم، وإن كان منهيا عن
ذلك، ومحظورًا عليه الحكمُ به ففعلَ من هذا ما نُهيَ عنه عادَ بهم الأمرُ إلى