الطعن على الرسول - صلى الله عليه وسلم - والقدحِ في أمانتِه والجرح لعدالتِه تبطلَ ما قالوه.
ولو صحَّ أنّ النبي عليه السلام منهيٌّ عن الحكم بالاجتهاد، لم يدل ذلك على
نهيِ الأمةِ عن ذلكَ ومنعِهم منه، وأنّ أكثرَ القايسين يقولون إنه كان محظورًا
عليه الاجتهاد، وإن كان مفروضا على الأمة لعللٍ قد ذكرناها في أصول الفقه بما يُغني الناظرَ فيها وفي الاعترَاض عليها.
وإذا كان ذلك كذلك بطلَ التعلق بالآية في إبطال أمر النبي عليه السلام
بالاجتهاد وأمرِ الأمة به ولو ثبتَ أن النبي عليه السلام أخطأ في اجتهادِه في
هذا الحكمِ - وحاشاه من ذلك - لم يُوجب خطأه فيه أن يكون في الأصل
منهيا عن الاجتهاد، فهذا بعيد من المعتلِّ به في إبطال القياس، ثم رجَعَ بنا
الكلامُ إلى تأويلِ الآية على وجهِ ينفي الخطأ والعصيانَ والعيبَ عن الرسول
عليه السلام.
فإن قال الملحدون، أو بعضُ من ذكرناه من ضعَفَة المسلمين: فما
معنى الآية عندكم، قيل لهم: يحتمل - والله أعلم - أن يكون أرادَ بقوله: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) ، أي: لم يكن ذلك لنبٍّي من قبلك، وإنما خصَصْناك أنتَ بذلك تخفيفا على الأمةِ التي بُعثتَ إليها وتكرمةً لذلك بتمييز قومِك وأهلِ عصرِكَ بتحليلِ العفوِ عنهم، وأخذِ الفداءِ منهم، فكأنه قال مَا كَانَ لِنَبِيٍّ غيركَ فحذف ذكرَ الغير وما يقوم مقامَه لكونه مما يُفهم ويُعلمُ من حال الرسول.
ويحتملُ أيضا أن يكون أراد مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أن يفعل ذلك إذا كان الإثخان
في القتل هو الأحوط في باب نصرة الدين، والأصلحُ الأنظر للمسلمين، ولم
يقُل إن ذلك ليس لنبي على الإطلاق، ولكن بهذه الشريطة، لأن كل نبيٍّ،