للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مبعوث بما هو الأحوطُ للملَّة في نظام أمر الشريعة، فكأنَّه قال: ما كان لنبي

أن يكون له أسرى وأخذُ فداءٍ دون القتل، والقتلُ عنده أحَظُّ، وما فعلتَ من ذلك إلا الأحظَّ الأصلحَ في باب الدين وهو أليقُ بالنبي صلى الله عليه وغيرهِ من النبيين، ويدلك على صحّةِ هذا التأويل ِ أنه قد يقوى المسلمينَ بأخذِ الفداء، وأنَّه قد أمَّن عليه من أولئكَ الأسرى، وآمن خلق من نسلِهم وولدوا أنصاراً للدينِ والمسلمين، ولا يجوزُ عند كثيرٍ من الأمَّةِ أن يأمرَ اللهُ بقتلِ من في المعلومِ أنه إن بقاه آمنَ وأسلَم، ونَسلَ أذكياءَ طاهرين، وأنصاراً للدين والمؤمنين، حتى خَلطوا وضاقُوا ذَرعا في جوابِ هذا السؤالِ لمَّا طُولبوا به.

فقالوا: كان الأصلحُ أن لا يقتلَ من أخذَ منهُ الفداء، ولكن لم يَجُزْ للنبي

عليه السلام أن يفعل هذا الأصلحَ الأصوبَ إلا بإذنِ الله، وحتى يكونَ هذا

الذي يشرعُه له ويأمره به، فيكونَ الأصلحَ للنبي أن لا يأخذَ الفداء، وأن

ينتهي عن أخذهِ حتى يأتيه أمر من اللهِ عز وجل بذلك.

وهذا يَؤول بهم إلى أن النبي عليه السلام قد كانَ فعلَ ما هو الأصلحُ

الأصوبُ عندَ الله، ولكنه فعلَه بغيرِ أمرِه وتقدمَ بذلكَ بينَ يديه، وهو لا يعلمَ

ما الأصلحُ من ذلك عندَ الله، فإن كان قد نهاهُ عن أخذِ الفداء بعقلٍ أو سَمْعٍ

إلا بأن يأمُرهَ بأخذهِ، فأخذَ بغيرِ أمرِه فقد عصا واعتمدَ الخطأَ وحاشاهُ من

ذلك، وإن كان لم ينَههُ عنه فلا معنى لقولهم ليس له فعلُ ذلكَ حتى يأذنَ له

فيه، ولغيرِهم أن يقولَ لهمُ وليس له الامتناعُ من أخذه، وإن كان ذلكَ

الأضَرّ في بابِ الدين، حتى يحظرَ اللهُ عليه فعلَ ذلك، حتى يكونَ هو الناهي

له عنه والمنزلُ فيه وحيا، وهذا جوابُ من قال منهم قد فعلَ الأصلحَ عنده

من غيرِ أن يأذَنَ له فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>