الحافظين لغيره، كما أنه لا يجوز أن يتَفق هلاك جميع من يحفظُ سورةَ
الكهف وبقاءُ جميع من يحفظُ مريمَ وعَطَبُ كل حافظٍ لشعر جريرٍ وبقاءُ
كل حافظ لشعر الفرزدق، وهلاكُ جميع المرجئة وبقاءُ سائر المعتزلة.
وعَطَبُ جميع من يحفظُ مسائل وبقاءُ جميع الحفَّاظِ للوصايا، كلُّ هذا باطلٌ
ممتنعٌ في مستقر العادة، وذلك لا يجوز فيها هلاكُ جميع من حفظ شيئا من
كتاب الله، وبقاءُ الحافظين لغيره منهم.
وإذا كان ذلك كذلك ثبت أنّه لا يجوز سقوطُ شيءٍ من القرآن بهذا
الضرب من الضياع وهلاكُ الحفاظ له دون الحافظين لغيره، فإذا كان كذلك
ثبت بهذه الجملة أنه لا يجوز ضياعُ شيءٍ من كتاب الله تعالى وذهابه على
الأمة بوجهٍ من الوجوه التي عددناها ووصفناها، ولا فرق بين أن يقول القائل
إنّ الذاهب على الأمة سُورٌ من القرآن أو سورة منه طويلةٌ أو قصيرة أو آيات
أو آيةٌ من سورة لأجل أنّ جميع القرآن كان ظاهراً مستفيضا عندهم على
عصر الرسول وحين أدائه إليه وتبليغهِ لهم، فكما أنّه لو هَلَكَ حفّاظُ سورةٍ
منه ليس عند الباقين حفظُها وجَبَ علم الباقين من الأمة بها وإن لم يحفظوها
، لأجل شهرَتها فيهم وظهور أمرها، فكذلك يجمث عليهم بذهاب الآية منه
سقوطُها بهلاك حُفاظها لأجل شهرتها، ومعرفتهم في الجملة بها.
ولو ساغ وجاز أن يذهب عليهم حفظُ آيةٍ أو آياتٍ نزلت ورتبت في
بعَض السور بذهاب حفَّاظها لساغ أيضا وجاز أن يذهب عليهم سورٌ كثيرةٌ
من القرآن أو سورة منه قد كانت أنزلت مع السور، وأن يخفى أمرها لذهاب
حفاظها وهلاكهم، فإن مرُّوا على ذلك تجاهلوا.