فإن قالوا: ما أنكرتم أن يكون المرادُ بقوله: (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩) .
نفسَ الرسول عليه السلام دونَ القرآن، لأنه هو المبدأ بذكره، لأن الله
تعالى قال: (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) .
، إلى قوله تعالى: (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩) .
يعني الرسولَ وأنه محفوظٌ من الجنون الذي
قذفوه به، وأضافوه إليه، يقال لهم: هذا أيضاً من ضيق الحيلة والعَطَن.
وتطلُّب الغَمِيزة والطعن في كتاب الله تعالى، لأنه لا خلافَ بين الأمة في أن
المرادَ بالآية حفظُ القرآن، وأنه بمعنى قوله: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) .
فلا معنى لما قلتموه، ولأنه أيضاً قطعٌ لسياق الكلام ونظمه، وردُّه إلى
أمرٍ مستبعَدٍ غيرِ مستعمل في اللسان، لأن الظاهرَ من قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩) .
أنه حافظٌ للمنزَّلِ من الذكر، فلا معنى لقطع الكلام عن نظامه وحملِه على المستبعد، ولأنه لا تعلُّق بين إنزاله للذكر، وبين حفظه للرسول، لأنه قد يحفظه وإن لم يُنزل عليه الذكر، فما معنى إناطته إنزالَ القرآن بحفظ الرسول من الجنون، هذا ما لا وجهَ له، على أنه يكفي في تصحيح ما قلناه التعلُّقُ بقوله: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) .
فوجب بذلك سقوطُ ما ظنوا الانتفاعَ به، اللهمَ إلا أن يقولوا إنَّ تنزيل
هذه الآية الأخرى عندنا: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) .
فيصيرون بذلك إلى التُّرَّهات، وإلى فتح بابٍ يجبُ تنزيهُ الكتاب عن ذكره، ولا طائلَ في مناظرة من انتهى إلى هذه الجهالات.
ثم يقال لهم: إنَّ التنزيلَ ورد كذلك أن قولَه: (لَا تُحَرِّك بِهِ لِسَانَكَ) .
يقتضي جواباً وتماما وصلة، يجعل الكلام مقيّداً، فإذا
وُصِل ب (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) ، لم يكن الكلامُ مفيدَ شيء، لأنه
لا ينبغي أن لا يحرِّك به الرسولُ صلى الله عليه لسانَه، ويشتدُّ حرصُه على