الإذن لهما في المبيت عنده فأذن لهما فلما كان بعض الليل رفع أحدهما صوته وقال: سبحان ذي الملك والملكوت ثم رفع الآخر صوته وقال سبحان الملك القدوس، وما كان منه ومنهما حتى خرج لهما عن جميع ماله وأهله ولم يبق إلا نفسه فباعها لهما ورضى أن يكون في رقيقهما حتى قالا له حقًا لك أن يتخذك اللَّه خليلًا، وقد تقدم ذكر القصة بطولها عنه، وذكر مكارم أخلاقه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأعطاه سبحانه وتعالى، الولد الصالح، وأنعم به عليه، فلما بلغ معه السعي، وَاشْرَأَبَّ قلبه بمحبته، امتحنه بذبحه، فامتثل بالأمر وبادر إلى ما أمر به من غير توقف ولا تردد، وقال {يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}[الصافات: ١٠٢]، فكان قول إبراهيم عليه السلام لولده: ماذا ترى يعني: ماذا تشير به؟ استخرج من هذه اللفظة منه التفويض والتسليم والانقياد لأمر اللَّه عز وجل لا لما أمرته إياه أو لا أمر له مع أمر اللَّه تعالى:{قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}[الصافات: ١٠٢] والتسليم هو الصبر والانقياد هو ملاك الصبر فجمع الذبيح جميع ما ابتغاه في هذه اللفظة اليسيرة: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: ١٠٣ - ١٠٧].
وبارك عليه وعلى ولده في العالمين، ثم بشر بإسحاق نبيًا من الصالحين، وألحقهما بالأنبياء المكرمين وجعل نسلهما أنبياء مرسلين واللَّه أعلم.
واختلف علماء المسلمين في هذا الغلام الذي أمر بذبحه إبراهيم عليه السلام فأهل الكتابين على أنه إسحاق وهو قول علي، وابن مسعود، وكعب، ومقاتل،
وعكرمة، وقتادة والسندي، روى الواقدي بسنده إلى الأحنف بن قيس، قال: سمعت العباس بن عبد المطلب -رضي اللَّه عنه- يقول: