فيها، ومنها أن هذا كان منه صلى اللَّه عليه وسلم من باب الأدب والتواضع وفي هذه الوجوه نظر، وأقوى منها وجهان: أحدهما: أنه صلى اللَّه عليه وسلم لا يعطه حقه إلا من يفرق بين الفاضل والأفضل، والكامل والأكمل، وكثير من الناس يعتقد في المفضول نقصًا بالنسبة إلى الفاضل، وفضل بعض الأنبياء على بعض إلى هو من باب الفاضل ولا يقض بالحق أحدا منهم فحمى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من ذلك لئلا يودي إلى نقص من مرتبتهم وفي التنقص بين مرتبتهم من المحذور ما لا يخفى، والثاني: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يمنع من اعتقاد ذلك، وإنما منع من قوله والخوض فيه يودي إلى خصومة وفتنة، كما وقع في الحديث المتقدم من قصة المسلم واليهودي واللَّه أعلم.
وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- قال: أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى، والرؤية لمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكلام اللَّه تعالى لموسى مقطوع به قال: للَّه تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى
تَكْلِيمًا} [النساء: ١٦٤].
وسماع موسى لكلام اللَّه تعالى جائز، وإن كان كلامه منزهًا عن الحروف والأصوات كما أن المؤمنين يرون اللَّه تعالى يوم القيامة وهو منزه عن الجهة وعن التحيز فإذا ثبت ذلك تحيز الصادق المصدوق وجب اعتقاده والتصديق به واللَّه أعلم.
وأما رأفته -صلى اللَّه عليه وسلم- على هذه الأمة وشفقته عليهم فمنها قوله لنبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلة الإسراء ما فرض ربك على أمتك؟ قال خمسين صلاة في كل يوم وليلة، وقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك، وإني قد بلوت بني إسرائيل واختبرتهم إلى أن قال فلم أزل أرجع بين يدي ربي وبين موسى حتى قال: يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشرة فتلك خمسون الحديث بطوله في الصحيحين وقد تقدم.