للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَبُو مَيْسَرَةَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ

١٥٩ - حدَّثنا محمدُ بنُ عُبدوسِ بنِ كاملٍ، ثنا محمدُ بنُ عبدِاللهِ ابنِ نُميرٍ، ثنا محمدُ بنُ أبي عُبيدةَ، ثنا أبي (١) ، عن الأعمشِ، عن أبي إسحاقَ، عن عَمرِو بن شُرحْبِيلَ، عن النعمانِ بنِ بَشيرٍ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كَانَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ فِي غِبِّ السَّمَاءِ (٢) إِذْ مَرُّوا بِغَارٍ فَقَالُوا: لَوْ أَوَيْتُمْ إِلَى هَذَا الْغَارِ. فَأَوَوْا إِلَيْهِ، فَبَيْنَمَا هُمْ فِيهِ إِذْ وَقَعَ حَجَرٌ مِنَ الْجَبَلِ مِمَّا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، حَتَّى سَدَّ الْغَارَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّكُمْ لَنْ تَجِدُوا شَيْئًا خَيْرًا مِنْ أَنْ يَدْعُوَ كُلُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ بِخَيْرِ عَمَلٍ عَمِلَهُ قَطُّ، فَقَالَ أَحَدُهُمُ: اللَّهُمَّ، كُنْتُ رَجُلاً زَرَّاعًا وَكَانَ لِي أُجَرَاءُ، فَكَانَ فِيهِمْ رَجُلٌ يَعْمَلُ عَمَلَ رَجُلَيْنِ، فَأَعْطَيْتُهُ أَجْرَهُ كَمَا أَعْطَيْتُ الأُجَرَاءَ، فَقَالَ: أَعْمَلُ عَمَلَ رَجُلَيْنِ وَتُعْطِينِي عَمَلَ رَجُلٍ (٣) ⦗١٣٠⦘ وَاحِدٍ؟! فَانْطَلَقَ فَغَضِبَ وَتَرَكَ أَجْرَهُ عِنْدِي، فَبَذَرْتُهُ عَلَى حِدَتِهِ، فَأَضْعَفَ، ثُمَّ بَذَرْتُهُ فَأَضْعَفَ، حَتَّى كَثُرَ الطَّعَامُ، فَكَانَ أَكْدَاسًا، فَاحْتاجَ الرَّجُلُ، فَأَتَانِي يَسْأَلُنِي أَجْرَهُ، فَقُلْتُ: انْطَلِقْ إِلَى تِلْكَ الأَكْدَاسِ؛ فَإِنَّهَا أَجْرُكَ. فَقَالَ: تَظْلِمُنِي وَتَسْخَرُ بِي؟! قُلْتُ: مَا أسْخَرُ بِكَ. فَانْطَلَقَ فَأَخَذَهَا. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ وَابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَاكْشِفْ عَنَّا. فَقَالَ الْحَجَرُ: قِضْ (*) . فَأَبْصَرُوا الضَّوْءَ.

فَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ، رَاوَدتُّ امْرَأَةً عَنْ نَفْسِهَا وَأَعْطَيْتُهَا مِئَةَ دِينَارٍ، فَلَمَّا أَمْكَنَتْنِي مِنْ نَفْسِهَا بَكَتْ، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: فَعَلْتُ هَذَا مِنَ الْحَاجَةِ! فَقُلْتُ: انْطَلِقِي وَلَكِ الْمِئَةُ. وَتَرَكْتُهَا. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي إِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ وَابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَاكْشِفْهُ عَنَّا. فَقَالَ الْحَجَرُ: قِضْ (*) . فَانْفَرَجَتْ مِنْهُ فُرْجَةٌ عَظِيمَةٌ.

قَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ، كَانَ لِي أَبَوَانِ كَبِيرَانِ، وَكَانَ لِي غَنَمٌ، فَكُنْتُ آتِيهِمَا بِلَبَنٍ كُلَّ لَيْلَةٍ، فَأَبْطَأْتُ عَنْهُمَا ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى نَامَا، فَجِئْتُ فَوَجَدتُّهُمَا نَائِمَيْنِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَكَرِهْتُ أَنْ أَنْطَلِقَ فَيَسْتَيْقِظَانِ، فَقُمْتُ بِالإِنَاءِ عَلَى رُؤُوسِهِمَا حَتَّى أَصْبَحْتُ. اللَّهُمَّ، إِنْ ⦗١٣١⦘ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي إِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ وَابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَاكْشِفْهُ. فَقَالَ الْحَجَرُ: قِضْ (*) . فَانْكَشَفَتْ عَنْهُم؛ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ» .


[١٥٩] أخرجه المصنف في "الدعاء" (١٨٩) عن محمد بن عبدوس وعبيد بن غنام، كلاهما عن ابن نمير، به.
وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (٢٠٢٦) من طريق ابن نمير، به.
وأخرجه أبو عوانة (٥٥٧٩) ، والدارقطني في "الغرائب والأفراد" (٤٣٩٣/أطراف الغرائب) من طريق محمد بن أبي عبيدة، به.
(١) هو: أبو عُبَيْدة عبد الملك بن مَعْن.
(٢) غِبُّ الشيء: عاقبته، أي: آخره. والسماء: المطر. والمعنى: يمشون في أواخر المطر. وانظر "تاج العروس" (٢/٢٧١/غبب) ، و"المصباح المنير" (ص١٥١/ سمو) .
(٣) كذا في الأصل، وفي "الدعاء" للمصنف: «أجر رجلٍ» ، وهو الجادة، لكنَّ ما في الأصل له وَجْهٌ صحيح؛ وهو تقدير حذف المضاف الذي هو «أجر» المصرَّح به في "الدعاء"؛ كأنه قال: «أجر عمل رجل» ثم حذف المضاف وأقام المضاف ⦗١٣٠⦘ إليه مقامه؛ وهو جائز وارد في القرآن الكريم؛ قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَهَاتُكُمْ} [النِّسَاء: ٢٣] ، أي: نكاحُهُنَّ والاستمتاعُ بهن. وانظر تفصيل ذلك وشواهده في: "أوضح المسالك" (٣/١٤٩- ١٥٢) ، وسائر شروح الألفية: باب الإضافة، و"مغني اللبيب" (ص٥٨٥) .
(*) قِضْ- بالكسرِ، مخفَّفةً- أصلُه: حكايةُ صوتِ الرُّكْبة. "تاج العروس" (صوت) . والمراد هنا: حكاية صَوْتِ تحرُّك الحجر.

<<  <   >  >>