للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(ذهب الشافعي رضي الله عنه (١) وجماهير أهل السنة إلى أن الطهارة والنجاسة وسائر المعاني الشرعية كالرق والملك (٢)، والعتق والحرية، وسائر الأحكام الشرعية، ككون المحل طاهراً (٣) أو نجساً، وكون الشخص حراً أو مملوكاً مرقوقاً، ليست من صفات الأعيان المنسوبة إليها، بل أثبتها الله تحكماً وتعبداً، غير معللة (٤). لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، ولا تصل آراؤنا الكليلة، وعقولنا الضعيفة، وأفكارنا القاصرة إلى الوقوف على حقائقها، وما يتعلق بها من مصالح العباد، فذلك حاصل ضمناً وتبعاً، لا أصلاً ومقصوداً، إذ ليست المصلحة واجبة في حكمه.

واحتج في ذلك: بأن الله تعالى إذا جاز أن يعاقب الكافر على كفره، والفاسق على فسقه، ولا مصلحة لأحد فيه، جاز أن يشرع الشرائع، وإن تعلق بها مفسدة ولا يتعلق بها مصلحة لأحد، ولذلك الله تعالى كلف الإنسان ما ليس في وسعه فقال تعالى: {فَاتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} (٥) {فَاتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} (٦) وقال للملائكة: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ


(١) في "ز" رحمه الله تعالى وفي "د" (رضي الله عنه) كما أثبت، وفي أبي حنيفة العكس فيهما. وقد جرينا على وضع (رضي الله عنه) للإمامين، وهذه المغايرة في النسختين مطردة في جميع المواطن، وهي من الفروق بينهما.
(٢) في "د".
(٣) ساقطة في "ز".
(٤) (أ) انظر: أصول السرخسي ٢/ ١٤٤ وما بعدها، وكشف الأسرار عن أصول البزدوي للبخاري ٣/ ٥٣١ وما بعدها، والحكم الشرعي بين النقل والعقل للدكتور الصادق عبد الرحمن الغرياني ص ٢٨٥ وما بعدها.
(٥) سورة هود: الآية ١٣.
(٦) سورة يونس: الآية ٣٨، هذا: والتكليف بالإتيان بعشر سور من القرآن أو بسورة من مثله إنما هو تكليف للتعجيز والابتلاء، وفعلاً بأن عجز العرب عن أن يأتوا بشيء من مثله وصدق فيهم قول الله تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) الإسراء: ٨٨، وانظر تحقيق هذه المسألة وما يتشعب منها عند الأصوليين في "نهاية السول شرح منهاج البيضاوي" للأسنوي مع حاشية "سلم الوصول" للشيخ بخيت المطيعي: (١/ ٣٦١ - ٣٦٢) تفسير "روح المعاني" للآلوسي (١/ ١٩٦) فما بعدها تفسير "أبو السعود" (١/ ٥٢ - ٥٣).

<<  <   >  >>