للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعصوم، من الخصائص، ما هو من صفات المعصوم، ولا يلزم من الدليل الثاني الإنكار على المخالف، فقد يعرض المجتهد عن ذلك لاعتبارات مختلفة، فدلالة السكوت على الموافقة ليست غير احتمال يقبل ما يخالفه. ولهذا فإن نسبة رأي للإمام بناء عليه فيه نوع من المجازفة، واحتمال كبير للخطأ.

والاستدلال بسيرة الصحابة لا يفيد؛ لأنه كما ورد عنهم الإنكار ورد عنهم السكوت في مسائل كان رأيهم فيها مخالفاً لما اشتهر، كسكوت ابن عباس (١) في مسألة العول في زمن عمر (٢) وغير ذلك. وما ذكره أصحاب الرأي الثاني بشأن عدم تحتم دلالة السكوت على الموافقة صحيح؛ لأن احتمال الموافقة ضئيل بالنسبة إلى الاحتمالات الآخر. وهذا يعززه دليلهم الثاني الذي أقر به ابن حامد ضمناً، من خلال مناقشته له (٣).

ولهذا فإن السكوت بمجرده لا يعد إقراراً، ما لم تتصل به قرينة توضح أنه كان كذلك، وما لم توجد القرينة فالظاهر- والله أعلم- أن لا تصح نسبته إلى الإمام.


(١) هو أبو العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم- عرف بذكائه ووفرة علمه وفقهه، وكثرة اطلاعه، ولقب بحبر الأمة لتلك المزايا. توفي بالطائف بعد أن كفر بصره سنة ٦٨هـ.
راجع في ترجمته: طبقات الفقهاء للشيرازي ص ٤٨، وشذرات الذهب ١/ ٧٥، والأعلام ٤/ ٩٥.
(٢) هو: أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى العدوي القرشي، الملقب بالفاروق. ثاني الخلفاء الراشدين وأول من لقب بأمير المؤمنين منهم. وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة. كان من أشراف قريش، ومن رجالاتهم المعدودين، وكان إسلامه فتحاً على المسلمين. تميز بشجاعته وذكائه وحصافة عقلة. في عهده تم فتح العراق والشام ومصر، ومصرت مدن عديدة، وهو الذي جعل الهجرة مبدأ التاريخ الإسلامي، وضرب الدراهم الإسلامية، بويع بالخلافة سنة ١٣هـ، بعد وفاة أبي بكر بعهد منه، واستشهد سنة ٢٣هـ.
راجع في ترجمته: الإصابة ٤/ ٥٨٨، وطبقات الفقهاء للشيرازي ص ٣٨، وشذرات الذهب ١/ ٣٣، والأعلام ٥/ ٤٥، والفتح المبين ١/ ٤٨، وقد أفردت لترجمته كتب كثيرة قديماً وحديثاً.
(٣) تهذيب الأجوبة ص ٥٥.

<<  <   >  >>