للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقرر مذاهبه بالدليل، لكنه لا يتجاوز في أدلته أصول إمامه وقواعده. ويفهم من كلام ابن الصلاح أن هذه الطبقة تعد من أهل التخريج، إذ ذكر من صفات المفتي فيها (أن يكون عالماً بالفقه خبيراً بأصول الفقه، عارفاً بأدلة الأحكام تفصيلاً بصيراً بمسالك الأقيسة والمعاني، تام الارتياض في التخريج والاستنباط، قيما بإلحاق ما ليس بمنصوص عليه في مذهب إمامه بأصول مذهبه وقواعده) (١) ومع ذلك فإن هذا الفقيه لا يعرى عن شائبة التقليد، لإخلاله ببعض العلوم والأدوات المعتبرة في المستقل، كأن يخل بالحديث أو العربية (٢). وقد أطلق على فقيه هذه الطبقة اسم (مجتهد المذهب) (٣)، وسماه السيوطي؛ (مجتهد التخريج) (٤)، كما اشتهر إطلاقهم على أصحاب هذه المرتبة (أصحاب الوجوه والطرق). وما يخرجه هذا الفقيه يقال في شأن صحة نسبته إلى الإمام ما سبق الكلام عنه مفصلاً، وقد ذكروا أن من هذه حاله لا يتأذى به فرض الكفاية، وإن كان يتأدى به الغرض في الفتوى (٥).

٣ - الطبقة الثالثة: ويمثلها من كان "فقيه النفس حافظاً لمذهب إمامه، عارفاً بأدلته، قائماً بتقريرها، وبنصرته، يصور ويحرر ويمهد ويقرر ويزيف ويرجح) (٦) فهو لم يبلغ ما بلغه علماء الطبقة السابقة من حفظ المذهب، ولم يرتض في التخريج والاستنباط كارتياضهم، وقد عد ذلك صفة كثير من المتأخرين إلى أواخر المئة الخامسة من الهجرة (٧) وقد أطلق عليه لقب (مجتهد الترجيح) (٨).


(١) أدب المفتي ص ٩١ - ٩٤ المجموع ١/ ٤٣.
(٢) المصدران السابقان.
(٣) جمع الجوامع بشرح الجلال المحلي ٢/ ٣٨٥ و ٣٨٦.
(٤) الرد على من أخلد إلى الأرض للسيوطي ص ١١٦.
(٥) المجموع ١/ ٤٣، وأدب المفتي ص ٩٥.
(٦) أدب المفتي ص ٩٤ - ٩٩ والمجموع للنووي ١/ ٤٤.
(٧) المصدران السابقان.
(٨) الرد على من أخلد إلى الأرض ص ١١٦.

<<  <   >  >>