والترجيح وتفريع المسائل وبنائها على الأدلة، والتعرف على آراء الأئمة في المسائل التي لم يرد عنهم نص بشأنها وعلى أحكام النوازل الطارئة أيضاً، على أن الجزء الأخير في هذه الفائدة لا يتحقق لكل أحد، بل هو خاص بالعلماء القادرين على ذلك ممن تتحقق فيهم شروط أهل التخريج التي سنذكرها فيما بعد.
٢ - وإن من أهم ما يستفاد من دراسة هذا العلم الكشف عن أن الاختلافات الواقعة بين الفقهاء فيما استنبطوه من أحكام فقهية، لم تكن اختلافات اعتباطية، وإنما هي اختلافات مردودة إلى أسس علمية ومناهج في الاستنباط مختلفة، وإلى الاختلاف في إقرار بعض الأدلة أو أنواعها، مما يُعد في الأمور الطبيعية والإنسانية التي تحصل في أغلب العلوم، وبذلك تتحقق فائدة مهمة، وهي إزالة الشكوك عن بعض النفوس التي تستغرب مثل تلك الاختلافات.
٣ - إن هذا العلم يُخرج علم الأصول من جانبه النظري إلى مجال تطبيقي عملي، تتبين به الثمرات المترتبة على القواعد الأصولية، بل والقواعد الفقهية أيضاً، وبذلك فإنه يعطي علم الأصول مزيداً من الوضوح.
٤ - إن هذا العلم، نتيجة لما ذكرناه في الفائدة السابقة، يمكن المتعلم من الفهم الدقيق لما يدرسه وذلك بربطه كثيراً من الجزئيات بعد معرفته مآخذها، في سلك واحد، مما يساعد على فهم وحفظ وضبط المسائل الفقهية، ومما يوضح ذلك، مثلاً إن قول الحنفية بأحكام مثل جواز إزالة النجاسة بكل مائع، وافتتاح الصلاة بأي لفظ يتضمن معنى التكبير، واختتامها بأي لفظ يقوم مقام التسليم، وقيام غير الفاتحة مقامها في الصلاة، وجواز دفع القيمة في الزكاة وزكاة الفطر بدل الأعيان، وجواز التغذية والتعشية في الكفارات وعدم وجوب استيفاء العدد فيها بتجويز صرف الطعام إلى مسكين واحد ستين يوماً، أو مسكينين في ثلاثين يوماً أو عشرة مساكين في ستة أيام، بدلاً من ستين مسكيناً في جميع ذلك.