إن قول الحنفية بمثل هذه الأحكام وما يشابهها مما هو في معناها، ومخالفة الشافعية لهم في جميعها (١) قد يبدو لو نظر إلى كل منها على انفراد بأن لا رابطة بينها، ولكننا لو عرفنا بأن مرد ذلك الاختلاف إلى أن الأصل في المعاين الشرعية عند الحنفية أنها صفات للمحال والأعيان المنسوبة إليها، أثبتها الشارع معللة بمصالح العباد، بينما ذهب الشافعية إلى أن تلك المعاني ليست من صفات الأعيان المنسوبة إليها، بل أثبتها الله تعالى تحكماً وتعبداً غير معللة. أقول لو عرفنا ذلك اتضح الأمر أكثر، وسهل حفظ هذه الفروع وما يشبهها مما يدخل في هذا المجال.
٥ - إن هذا العلم بإخراجه الأصول من الجانب النظري إلى الجانب التطبيقي، يحقق الربط بين علمين مهمين هما: الفقه وأصوله، مما يزيل ذلك الانفكاك الذي خيم عليهما قروناً كثيرة نتيجة للدراسة النظرية وحدها في مجال الأصول.
٦ - إن رد الأحكام الفقهية إلى قواعد الأصول، ومعرفة أن الاختلافات فيها تعود إلى المآخذ، يُعرف المتعلم الراجح من المرجوح من الآراء، بمعرفته الراجح من المرجوح في قواعد الأصول، مما يساعد في أحيان كثيرة على التقريب بين المذاهب، ويقلل من التنافر بين أتباعها، ويذيب ما بينهم من حواجز.
رابعاً: العلوم التي استمد منها علم تخريج الفروع على الأصول:
إن تتبع مباحث الكتب المؤلفة في التخريج، ومعرفة المقصود منه والفائدة التي تترتب عليه، يوضح أن مادة هذا العلم مستمدة من طائفة من
(١) لاحظ مسألة (١) من كتاب الطهارة في تخريج الفروع على الأصول للزنجاني، ليتضح مرد الخلاف في هذه المسائل والجامع بينها.