وأحفظ لمالك مثل ذلك في مسألة لم يحضرني ذكرها في حين جوابي، ولا قول القائل مع نص الرواية، ولو لم يأت بذلك رواية، ما توجه الاختلاف فيها على مذهب مالك وأصحابه هو له؛ لأن في قوله المشهور ومذهبه المعروف، أن من فوض إلى رجلين أمرًا، فإنه لا يصح فعل أحدهما منفردًا إلا باجتماعهما.
من ذلك ما في المدونة: قال مالك في رجلين فوض إليهما رجل أمر امرأته فقال: قد جعلت أمر امرأتي بأيديكما تطالقاها، فطلقها أحدهما دون صاحبه، قال مالك: لا يلزمه ذلك.
قيل لابن القاسم: أرأيت إن جعل عتق جاريته بيد رجلين، فأعتق أحدهما دون صاحبه؟ قال: إن كان ملكهما جميعًا فلا يجوز، وإن كانا رسولين جاز ذلك عند مالك.
قال سحنون: وكذلك قال أشهب وغيره من كبار أصحاب مالك، في تمليك العتق إذا ملكها أمرها فيه أو في الطلاق ورجلا معها، أو ملك رجلين سواها في العتق، فأعتق أحدهما وأبى الآخر أن يعتق، فلا عتق لها حتى يجتمعا جميعًا عليه؛ لأن إلى كل واحد منهما ما إلى صاحبه، فكذلك هي إذا كانت بينهما، فهذا قول مالك وأصحابه.
والدليل على صحة قولهم: قول الله تبارك وتعالى في الحكمين: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحًا} فأجمع الجميع أنه لا ينفذ فعل واحد منهما مع انفراده إلا باجتماعهما، قال تعالى:{يحكم به ذوا عدل منكم}، وأجمعوا أنه لا يصح في ذلك حكم لأحدهما دون الآخر. وهذا من النص الجلي.
وإذا لم يصح حكم المنفرد منهما فكذلك الوصيان أو الأوصياء أو الوكيلان أو الوكلاء وما كان في معناه، فلا فرق في ذلك والدلالة من السنة قول النبي (صلى الله عليه وسلم) لمعاذ وأبي موسى حين بعهما إلى اليمن "يسرا ولا تعسرا ويبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تخلفا"، وفي هذا دليل لمن تأمله.
ورسم البخاري في كتابه: أمر الوالي إذا وجه أمرين أن يتطاوعا ولا يتعاصيا، وفي هذا الخبر في بعض رواياته: أن معاذًا سار إلى أبي موسى فوجده وقد اجتمع إليه الناس، وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه، فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس، ما إثم هذا؟ قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه فقال: لا أنزل حتى يقتل، فقال: إنما جيء به ليقتل،