وأما أمرها (أ-٦١) بالعدة فلما روي ابن عباس في هذا الخبر فقال: كان عبدًا أسود فخيرها يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأمرها أن تعتد. وهذا ما ذكرته وهو واضح بين الأمر إلا من عاند السنة وخالف الأئمة.
وفي هذا الحديث معنى كبير دل على فقه كثير منه أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الفراق إلى المرأة وفارقت فإن زعم زاعم أن خبر بريرة مخالف؛ لزمه بيان زعمه وتصحيح قوله بنص مثل ما ذكرناه.
وفي المدونة قيل لابن القاسم لم جعل مالك خيار الأمة تطليقة بائنة وهو لا يعرف بائنة؟ قال: لأن كونها فرقة من قبل السلطان فهي تطليقة بائنة عند مالك وإن لم يؤخذ عليها مالك ألا ترى أن الزوج إذا لم يستطع وطء امرأته فضرت له أجل سنة ففرق بينهما أنها تطليقة بائنة؟
والمعنى المقصود إليه من هذه المسألة أن المرأة هي المفارقة وأضافه إلى السلطان ونظر ذلك بالتعريض عن امرأته فدل ذلك على اتفاقهما في الحكم.
ومن هذا المعنى: الحر يتزوج الأمة على الحرة، والعنين يضرب له الأجل، وإنما جاوبتك فيما سألت عنه من عدم النفقة والمغيب فأشاركه في المعنى، فله حكمه وما خرج من ذلك سلك فيه طريقة وسأذكر الحكم في المولى بعد هذا إن شاء الله.
وجملة القول فيما تقدم أن الحق إذا كان للمرأة خالصًا فإنفاذ الطلاق إليها مع إباحة الحكم فيما على ما جاء في خبر بريرة وينسب ذلك الطلاق إليه إذ هو منفذه والحاكم به، فيقال فرق السلطان بينهما كما يقال قطع الأمير يد السارق ورجم وجلد؛ وهو لم يفعل ذلك وإنما أمر به، وما جاء في كتبنا من تفريق السلطان وشبهه فهو على ما ذكرناه وقد تقدم في غير هذا الخطاب أن السلطان لو أراد إنفاذ الطلاق في ذلك وفي العنين وفي الأمة تعتق وفي الحر يتزوج الأمة وقالت المرأة أنا أقيم ولا أريد الفراق كان ذلك لها.
وقد روي أبو زيد عن ابن القاسم فيمن اعترض عن امرأته بأجل سنة فما انقضت قالت: لا تطلقوني وأنا أتركه إلى أجل آخر، قال: ذلك لها ثم تطلق متى شائت بغير أشهر قيل له: فرق وإلا طلقنا عليك، فتقول امرأته: أنا أنظره شهرين أو ثلاثة، قال: فذلك لها،