وقال ابن القاسم: في المدونة: إنه لا يقسم على الغائب إلا القاضي، وفي القسمة عليه قضاء عليه في الدور والعقار.
وفيما قدمت بيان لما ذكرت، والعجب كيف حكي المفتي قول أصبغ، وترك قول ابن القاسم في المدونة، والغائبون تختلف أحوال مغيبهم، وتختلف الفتوى بسببها:
فمنهم الغائب الذي ذكره ابن القاسم أنه بلغه عن مالك في ترك القضاء عليه، ثم وصفه ابن القسم.
ومنهم الغائب يقرب موضعه بحيث يأخذه الإعذار؛ فهذا يعذر إليه القاضي فيما يثبت عليه.
ومنهم غائب أبعد مسافة فلا يلزم الإعذار إليه، ويقضي عليه دون إعذار ومحمد بن أخطل مغيبة بالمرية، ومن كان بها أو نحوها فلا يلزم الإعذار إليه، ويقضي دون إعذار عليه.
ومنهم غائي يعمى خبره ولا يعرف موضعه؛ فهذا ينظر السلطان فيه ثم يحكم فيه يحكم المفقود.
ومنهم الأسير بدار الحرب. ومنهم المفقود في صف المسلمين في قتال العدو. ومنهم الذي يفقد في فتن المسلمين.
وكل واحد منهم الحكم عليه جائز على حسب الواجب، ولا يقطع القاضي الحجة لأحد من الغياب ذلك إن قضى عليه، إلا الغائب الذي قد أعذر إليه لقرب موضعه، فهو كالحاضر.
ومالك وأصحابه مجمعون على هذا إلا سحنون؛ فإنه قال: إذا كان على حجته فلم يقض عليه، وإنما ينبغي أن يضرب له أج، ويتلوم له الشيء بعد الشيء ولا يكثر على الاجتهاد، فإذا فعل ذلك حكم عليه وقطع الحكم، إذا ثبت ذلك بالبينة العدلة، ثم لا تكون له حجة بعد ذلك. وهذه جملة كافية.
فإن سألت عن الفرق بين قول مالك: لا يقضي على الغائب في الأصول، وقوله: يقضي عليه؛ فيما ذكرنا من الدين، والنفقة، ومن الشفعة، والقسمة، وغير ذلك، وبيع أصوله وعروضه فيما ثبت من حق عليه - أتاك ذلك ببيان شاف من كتاب الله عز وجل،