للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ففي الذي في كتاب الوكالات دليلان: أحدهما: تصريح الفرق بين القرض وغيره بتصديق المقرض في دعوى حلوله، وكذلك يجب أن تصدق المرأة لأنها مقرضة. والدليل الثاني: أن من ادعى المعروف صدق، ولأن العرف كالشاهد له في دعواه، والمتعارف من أحوال النساء فيما يوسعن به على أزواجهن من أموالهن أنهن إنما يرون بذلك استجلاب مودة الأزواج واستدامة عصمتهن معهم، وتغمر مسرتهم.

فإذا وقع الطلاق واستحالت أنفسهن عن ذلك إلى ضده، هذا الذي لا يعرف غيره، وارتفع السبب الموجب لتوسعتهن عليهم، وإذا ارتفع السبب الموجب المعروف فلصاحبه الرجوع فيه، على ما في نوازل سحنون في جامع البيوع في الذي يبتاع البعير فيسرق، أو الرأس فيستغله ويخاف الوضيعة فيه، يذكر ذلك للبائع، فيقول له: لا بأس عيك، قح حط الله عنك من ثمنه خمسة دنانير، ثم يصيب البعير أو بيع الرأس دون وضيعة. قال سحنون: فلا شيء للمشتري من الوضيعة، إن قد عوفي بما خافه، وفي سماع يحيى عن ابن القاسم في كتاب آخر نظيره.

كما أنهن أيضًا لما عرف من أحوالهن عند بغضهن لأزواجهن إرادة الفرق لم يضرها دعوى الطلاق في ميراثه عند موته ورآه لها، مع ما ادعته قبل ذلك من طلاقهما، وأعطاها مالا كانت قد تبرأت منه، وسمع منها تكذيبًا لنفسها عند وجوبه لها بموت زوجها، هكذا في سماع سحنون في كتاب طلاق السنة.

وكذلك أيضًا صدقها مالك رحمه الله في الدعوى في رسم يشرب خمرًا، إذا ادعت أنها إنما وهبت لزوجها في مرضه ميراثًا منه؛ لأنه توعدها إن لم تفعل ذلك أن يضيق عليها، ولا يدعها تأتي أهلها ولا يأتونها. قال مالك رحمه الله: وليست المرأة في ذلك كغيرها من الوراثة، ولم يكلفها رحمه الله بينة على دعواها؛ إذ هو معروف بين الزوجين أن الزوج يسومها هذا وشبهه، وفي المسألة أشهر عليها بالهبة لميراثها منه، ولم يصرها ذلك عنده.

وليس يعارض ما ذكرناه ما فيه سماع أسبغ وسماع سحنون: في التي تضع عن زوجها صداقها على أن لا يطلقها ويقبل ذلك، ثم يطلقها بعد وقت يرى أنه لم يعجل فيه: أن الوضيعة ماضية؛ لأن الوقت في هذه المسألة غير محصور، والزمنان فيه غير محدود، فصار الرجوع فيه إلى اجتهاد المفتي حسبما يراه.

وفي مسائلهم كثيرًا لا يرون فيه العام ونحوه طولاً من ذلك، وهو مما يشاكل هذا

<<  <   >  >>