أنه رفع إليه في ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة: أن أبا الوليد ابن أبي عبدة هدم قصبة كانت في داره المحبسة، وباع بعض أنقاضها، فأمر بإخراجه عنها وتسميرها عليه، ثم رغب إلى القاضي أن يعاد إلى الدار، ويوضع النقض في بيت بيني عليه على أن يغطي سقف المجلس الذي كان تحت القصبة.
فقال القاضي لمن معه: ما ترى في هذا؟ فقال له المسئول: ليس يبني من هذا شيء على يديه أبدًا لأنه شديد السفه، وارى أن يباع من النقض بعضه، وينفق من ثمنه في بنيان المجلس، ويدخل باقي النقض في البنيان، ثم كذلك تباح له الدار، فقال: هذا حسن، يفعل هذا. فقال له جماعة من أهل المجلس: أو ليس هذا من بيع الحبس؟ فقال: أو لستم تسمعون ما يقول: إنه إن لم يؤخذ هذا المأخذ لم يبن على يدي الذي هدمه؛ ليس هذا من بيع الحبس، هذا إصلاح له.
قال أبو علي: فقلت له: قد رايت مساجد تباع حصرها، وقد بلغني أن مسجداًا بيع منه حصر بخمسة وثلاثين دينارًا، فقال: إذا كان يستغني عنها فما يبيعها بأس. قيل له: وكذلك ما يلي من أنقاض المساجد، واستغنى عنه؟ قال: نعم بيعه جائز.
وقال له اب دحون: من حبس حبسًا، وشرط أن تنقد غلته في مصالح حصن من حصون المسلمين في وجوه كرها، فتغلب العدو على ذلك الحصن؟ فقال: تنفذ الغلة في مثل تلك الوجوه في حصن غيره، إن شاء الله تعالى.
وقال: ما كان الله عز وجل، والمستغنى عنه فجائز أن يستعمل في غير ذلك الوجه، مما هو لله كالدار المحبسة بلصق المسجد، لا بأس أن يوسع بها المسجد الجامع خاصة؛ لأن الجمعة لا تكون إذا في موضع واحد، وغيرها من المساجد قد ينتقل عن المسجد إذا ضاق إلى غيره، ونحوه ما ذكره القاضي واختاره في كتاب ابن حبيب.
قال ابن الماجشون عن مالك: أدخل في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دور محبسة كانت حوله هدمت وزيدت قال ابن حبيب: قلت لابن الماجشون: فهل ترى مساجد الأمصار في هذا مثل مسجد العشائر فلا. وقاله مطرف، وابن عبد الحكم، وأصبغ.
وقال ابن الماجشون في المقبرة تضيق عن الدفن وينتقل عنها وينتقل عنها إلى غيرها، والى جانبها مسجد قد ضاق بأهله: لا بأس أن يوسع المسجد ببعضها، لأنهما جميعًا المسجد والمقبرة