حبس للمسلمين لصلاتها وتدافنهم؛ فلا بأس أن يستعان ببعض ذلك في بعض.
وروي أصبغ عن ابن القاسم فيم مقبرة فبني قوم عليها مسجدًا: لا بأس بذلك، وكذلك ما كان لله لا بأس أن يستعان ببعضه في بعض، وينقل بعضه إلى بعض.
وفي حبس العتبية في رسم سن: قال ابن القاسم في اتخاذ المساجد على القبور: إنما أكره من ذلك هذه المساجد تبنى عليها، فإن عفت مقبرة فبني قوم عليها مسجدًا يجتمعون للصلاة فيه فلا أرى به بأسًا.
وشاور بعض القضاة بقرطبة في مسجد أراد جيرانه الزيادة فيه من دار حبس مجاورة له، وعقدوا في ذلك عقدًا تضمن معرفة شهدائه أن مما يصلح به المسجد ويتسع به أن تضاف إليه الدار المحبسة التي عليه.
فجاوب ابن عتاب:
تصفحت عقد الاسترعاء في هذا فرأيته قد حط منه تحديد المسجد بما يلاصقه من الدور، والعقد مفتقر إلى ذلك، لتعرف الدور الملاصقة، ومن أربابها، لا لتعيين المسجد، فتقف بذلك - رحمك الله - على هيئة المسجد، وما يتصل به من حبس أو غير حبس، وهل يشرع بابه، إلى محجة أو درب أو فناء، فقد تلاصقه دار يرغب ربها بيعها، فيكون ذلك أقرب مأخذًا وأسهل تناولاً من أمر الحبس، وما تضمنه عقد الاسترعاء.
أن ذلك مما يصلح به المسجد ويتسع به، أن تضاف إليه الدار المحبسة، وليس هذا وجه العقد في ذلك ولا سبيله، ووجهه غير هذا مما علمك محيط به، وربما صلح أمر المسجد مما هو أفضل من هذا وأولى وأسم، وذلك بأن توجه إيه من تثق به من أهل المعرفة بالبنيان، فإن كان بابه يشرع إلى فناء أو محجة واسعة، لا ضرر على أحد من المسلمين في الأخذ من ذلك، ويوسع به المسجد وتلاصقه دار لملك يرغب في بيعها، ويسارع إلى الخروج عنها دون إكراه على ذلك أو أخذها بالقيمة.
نظرت في ذلك، واحتسبت الثواب فيهن وإن كان لا يجاور المسجد شيء مما ذكرت، ولا يرغب أحد من مجاوريه بيع داره، ولم يكن غير الدار المحبسة المذكورة، تركت النظر في ذلك، إذ لا سبيل على مذهب الإمام مالك (رضي الله عنه) إلى تغيير شيء من الأحباس لتوسعه مسجد ولا غيره، إلا في المسجد الجامع، أو في طريق للمسلمين، لابد لهم منها، وأما التوسع بها في مسجد من مساجد القبائل فلا، وهكذا نص الرواية.