والفرق بين ذلك واضح بين، لأن الجمعة عنده لا تكون إلا في موضع واحد من المصر، وإن عظم المصر فاستخف ذلك للضرورة في غيره، ولا ضرورة في غيره من المساجد تدعوا إلى ذلك، وإن ضاق المسجد بأهله انتقل إلى غيره أو بنى سواه.
وهذا المسجد المذكور في اعقد يقرب منه مساجد، وبنيان مسجد بالحومة التي هو بها ممكن لمن رغب الثواب، ولا أقول بتغيير الحبس بوجه من الوجوه لما بينت ووصفت، وليس لمحتج أن يحتج بما قاله ربيعة في يالمدونة، ولا بما رواه أبو الفرج عن مالك: إذ ليس هو من باب ذلك، ولا من معناه، وقد كان كبير من شيوخ بلدنا يقول: لا سبيل إلى أن يكره الإمام أحدًا على بيع داره وللزيادة في مسجد الجامع، ولا يخرجه عنها إلا بطيب نفسه، ويحتج في ذلك بحديث كان يرويه وقد رأينا، والله عز وجل أسأله توفيقك.
قال القاضي:
وهذا كان مذهبه رحمه الله في نقض مسجد منهدم ولا جيران له، ولا معه ما ينفق في بنيانه وإعادة نقضه فيه: أن يترك ذلك لانقض ولا ينقل إلى مسجد غيره، ولا يصرف في سواه، وبذلك كان أفتى في أنقاض جامع رشتشان من عمل قرطبة: أن تترك في الجامع حتى تعفن، ولا تزال عن موضعها.
ومن الحجة – وإن كنت لم أسمعه يحتج به – ما في سماع أشهب وابن نافع عن مالك فيمن تصدق بنخل بمائها، ثم أصابها الرمال حتى بلغت كرانيعها وغلبت عليها، وفي مائها فضل، قال السائل: وقد أردت بيعها، قال مالك: ما أرى أن تبيعها، وأرى أن تدعها على حالها حتى يغلب عليها الرمال فتستريح منها.
قال القاضي:
فقد رأى مالك ترك هذه النخل حتى تبطل وتذهب، ولم ير بيعها على حال.
وقال ابن وضاح: سألت سحنونًا عن زيت المسجد يكون كثيرًا، أيباع ويدخل في منفعة المسجد؟ قال: تجعل فتائل غلاظ. ولم ير بيعه. قلت: فيوقد في مسجد آخر؟ قال: لا بأس به. قلت: فالخشب كون في المسجد قد عفنت لا يكون فيها كبير منفعة، أتباع ويشتري بثمنها خشب يرم بها المسجد؟ قال: أما أنا فلا أجعل سبيلا إلى بيعها أصلا، إلا أن ثم قولا ضعيفًا. وهذا ما كان يراه أبو عبد الله ابن عتاب في ذلك، وبالله التوفيق.