للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثمانية كما هو معلوم، وقوله "عساه" إلخ، هو رجاء مرتب على قوله "وانفع به اللهم" إلخ، والانتفاع الذي رجاه بهذا التأليف يوم القيامة، وقوله "دائما" معناه ما دام يوم القيامة، وهو الذي عبر عنه بقوله: "في يوم لا مال ولا ابن ينفع"، واقتبس ذلك من قوله تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ} ١، وفي كثير من النسخ "اليوم لا مال" إلخ، وعليه تكون اللام بمعنى "في" كما في قوله تعالى: {يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} ٢ ومراده أنه يجد ثواب تأليفه في جميع مواطن القيامة كالصراط والميزان، والحوض وغير ذلك، ثم قال:

ويا إلاهي عظمت ذنوبي ... وليس لي غيرك من طبيب

فامنن علي سيدي بتوبة ... عسى الذي جنيته من حوبة

يذهب عني وإليك رغبتي ... في الصفح عن مقترفي وزلتي

وحجة لبيتك الحرام ... وقفة بذلك المقام

ضمن في البيت الأول إقراره بالذنوب، واستعظامها والاعتراف بأنه لا غافر لها إلا الله تعالى، وفعل ذلك لما في الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا أذنب، ثم استغفر الله منه يقول الله: يا ملائكتي أذنب عبدي ذنبا وعلم أنه له ربا يغفر الذنب أشهدكم أني قد غفرت له" ٣، ثم طلب من الله تعالى أن يمن عليه بالتوبة ليصير بذلك من أهل محبته {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} ٤، ورجا بذلك غفران ما جناه من الحوبة أي الذنب، وأطنب في ذلك بقوله: "وإليك رغبتي" إلخ؛ لأن الدعاء من المواضع التي يطلب فيها الإطناب لما فيه من إظهار العبودية والمقترف المكتسب، والزلة -الزلل، وعبر بهما عن الذنوب وسأل مع ذلك أن يرزقه الله الحج، وإنما طلب ذلك لأداء الواجب ورجاء غفران ذنوبه لما في الحديث: "إن الحاج يخرج من ذنبه كيوم ولدته أمه"، وخص المقام بالذكر دون سائر مشاعر الحج لقوله تعالى: {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} ٥، وقوله: "غيرك" يتعين فيه النصب لكونه مستثنى تقدم على المستثنى منه وهو "طبيب"، و"من" الداخلة على "طبيب" زائدة، والمراد بالسيد في قوله: "فامنن علي سيدي" الله تعالى، وأطلقوا عليه بناء على مذهب من أجاز


١ سورة الشعراء: ٢٦/ ٨٨.
٢ سورة الأعراف: ٧/ ١٨٧.
٣ متفق عليه من رواية أبي هريرة أخرجه البخاري في صحيحه ١٣/ ٤٦٦ ومسلم في صحيحه ٤/ ٢١١٢.
٤ سورة البقرة: ٢/ ٢٢٢.
٥ سورة آل عمران: ٣/ ٩٧.

<<  <   >  >>