للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الصَّحيحِ، فحُكمُه أنه مَعذورٌ، وخطؤُه مغفورٌ؛ لأنَّ نَفيَه ناتجٌ عن تأويلٍ لا عن عنادٍ وفسادِ قَصدٍ.

الثَّالثُ: أنْ يَكون النَّافِي متبِّعًا لهواهُ، مقصِّرًا في طلبِ الحقِّ، متكلِّمًا بلا علمٍ، لكنَّه لا يَقصِد مُشاقَّةَ الرسولِ، ولم يَتبيَّن له الحقُّ تمامًا، فحُكمُه أنه عاصٍ مُذنِبٌ، وقد يَكون فاسقًا.

المسألة الرابعةُ: الولاءُ الكفريُّ للكفارِ:

الولاءُ منه ما هو كفرٌ، ومنه ما ليس كفرًا كمَا سَبَق، والذي يَظهَر في ضابطِ الولاءِ الكفريِّ هو: محبَّةُ الكفارِ لأجلِ دِينِهم، أو نُصرتُهم على المسلِمينَ بالقتالِ معهم، أو بإعانَتِهم بالمالِ والسِّلاحِ، أو بالتجسُّسِ لهُم على المسلِمينَ محبَّةً لهُم ورَغبةً في ظُهورِهم على المسلِمينَ، فهذه الإعانةُ كفرٌ مُخرِجٌ من المِلَّةِ، وقد حكَى غيرُ واحدٍ مِنْ أهلِ العلمِ إجماعَ العلماءِ على ذلك.

وإنْ كان الحاملُ له على ذلك مَصلحةٌ شخصيَّةٌ، أو خوفٌ، أو عداوةٌ دُنيويَّةٌ بينَه وبينَ مَنْ يُقاتِلُه مِنْ الكفارِ على المسلِمينَ، فهذه الإعانةُ محرَّمةٌ وكبيرةٌ مِنْ كبائرِ الذُّنوبِ، ولكنَّها لَيسَت مِنْ الكفرِ المُخرِجِ مِنْ المِلَّةِ.

ودليلُ ذلك: ما حكَاه الإمامُ الطَّحاويُّ مِنْ إجماعِ أهلِ العلمِ على أنَّ الجاسوسَ المسلمَ لا يَجوز قَتلُه، ومُقتضَى ما حكَاه الطَّحاويُّ أنه غيرُ مُرتدٍّ، ويدلُّ لهذا ما رَواه أحمدُ وأبو داودَ والترمذيُّ والنَّسائيُّ مِنْ حديثِ عليِّ بنِ أَبي طالبٍ في قصَّةِ حاطبِ بنِ أِبي بَلْتَعَةَ إذْ أَرسَل الرسالةَ إلى قريشٍ يُخبِرهم بقُدومِ رسولِ اللهِ ، فقال رسولُ اللهِ : «يا حَاطِبُ ما هَذا؟» قال: لا تَعجَلْ عليَّ يا رسولَ اللهِ، إنِّي كنتُ امرأً مُلصَقًا في قريشٍ ولم أَكُنْ

<<  <   >  >>