باب التدليس، فإن الحافظ لم يستدل بهذا الحديث على جواز التوسل بالجاه، وإنما استدل به على جواز الاستشفاع بأهل الخير، والاستشفاع لا يأتي بمعنى التوسل بالجاه، وإنما يأتي بمعنى التوسل بالدعاء كما سوف يأتي تقريره قريبًا إن شاء الله تعالى.
ثم إن قصة عمر في توسله بالعباس - رضي الله عنهما - لا تدل بحال أنه كان توسلًا بجاهه، بل هو على اليقين توسلًا بدعائه جريًا على ما كانوا يفعلونه مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، من التوسل بدعائه.
وقد نقل الحافظ في الفتح ما يدل على ذلك، فقال (٢/ ٥٧٧):
"وقد بيَّن الزبير بن بكار في الأنساب صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة، والوقت الذي وقع فيه ذلك، فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر، قال: اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث، فأرخت السماء مثل الجبال، حتى أخصبت الأرض، وعاش الناس".
قلت: فهذا دليل ظاهر على ما ذكرنا وتؤيد هذه الرواية ما أخرجه عبد الرزاق في "المصنف "(٣/ ٩٢) من حديث ابن عباس: أن عمر استسقى بالمصلى، فقال للعباس: قم فاستسق، فقام العباس، فقال: . فذكر فيه دعاءً آخر.
إلا أن سنده ضعيف جدًّا، فهو من رواية إبراهيم الأسلمي، وهو واه.