قال: فما لبث إلا يسيراً حتى قالت له امرأته: إنه قد نفد كذا وكذا، فلو أتيت ذلك الرجل، فأخذت لنا من الربح، فاشتريت لنا مكانه، قال: فسكت عنها، ثم عاودته فسكت عنها، حتى آذته ولم يدخل بيته إلا من ليل إلى ليل.
قال: وكان رجل من أهل بيته ممن يدخل بدخوله. فقال لها: ما تصنعين؟ إنك قد آذيته، وإنه قد تصدق بذلك قال: فبكت أسفاً على ذلك المال.
قال: ثم إنه دخل عليها يوماً فقال: على رسلك إنه كان لي أصحاب فارقوني منذ قريب، ما أحبُّ أني صددت عنهم، وإن لي الدنيا وما فيها، ولو أن خيرة من خيرات الجنان اطّلعت من السماء لأضاءت لأهل الأرض، ولقهر ضوء وجهها الشمس والقمر، ولنصيف تكسى خير من الدنيا وما فيها. فلأنت في نفسي أحرى أن أدعك لهن من أن أدعهن لك، قال: فسمحت ورضيت.
٤ - عمر يتعجب مما عليه سعيد: وعن مالك بن دينار قال: لما أتى عمر - رضي الله عنه - الشام طاف بكورها (١)، قال: فنزل بحضرة حمص، فأمر أن يكتبوا له فقراءهم قال: فرفع إليه الكتاب، فإذا فيه سعيد بن عامر بن حذيم أميرها فقال: من سعيد بن عامر؟ قالوا: أميرنا، قال: أميركم؟ قالوا: نعم. فعجب عمر، ثم قال: كيف يكون أميركم فقيراً، أين عطاؤه؟ أين رزقه؟ قالوا: يا أمير المؤمنين لا يمسك شيئاً. قال: فبكى عمر، ثم عمد إلى ألف دينار، فصرّها ثم بعث بها إليه، وقال: أقرئوه مني السلام، وقولوا: بعث بهذه إليك أمير المؤمنين، تستعين بها على حاجتك، قال: فجاء بها إليه الرسول، فنظر فإذا هي دنانير، قال: فجعل يسترجع، قال: تقول له امرأته: ما شأنك يا فلان أمات