٥ - عبد الملك بن عمر بعظ الخليفة: ذهب عمر بعد ذلك المقام في المسجد يتبوَّأ مقيلاً، فأتاه ابنه عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين، ماذا تريد أن تصنع؟ قال: أي بنيّ أقيل، قال: تقيل ولا تردّ المظالم؟ قال: أي بني إني قد سهرت البارحة في أمر عمّك سليمان، فإذا صلّيت الظهر رددت المظالم، قال: يا أمير المؤمنين من لك أن تعيش إلى الظهر؟ قال: ادن مني أي بني، فدنا منه، فالتزمه، وقبَّل بين عينيه، وقال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني.
فخرج، ولم يقل، وأمر مناديه أن ينادي: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها، فقام إليه رجل ذميّ من أهل حمص أبيض الرأس واللحية، فقال: يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله، قال وما ذاك؟ قال: العباس بن الوليد بن عبد الملك اغتصبني أرضي، والعباس جالس، فقال له: يا عباس ما تقول؟ قال: أقطعنيها أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك، وكتب لي بها سجلاً.
فقال عمر: ما تقول يا ذمي؟ قال: يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله عز وجل، فقال عمر: كتاب الله أحق أن يتبع من كتاب الوليد بن عبد الملك، قم فاردد عليه يا عباس ضيعته، فردَّ عليه، فجعل لا يدع شيئاً مما كان في يده وفي يد أهل بيته من المظالم إلا ردّها مظلمةً مظلمةً.
٦ - بين عمر بن الوليد بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز: فلما بلغت الخوارج سيرة عمر، وما رد من المظالم اجتمعوا، فقالوا: ما ينبغي لنا أن نقاتل هذا الرجل، فبلغ ذلك عمر بن الوليد بن عبد الملك، فكتب إليه: إنك قد أزريت على من كان قبلك من الخلفاء، وعبت عليهم، وسرت بغير سيرتهم بغضاً لهم، وشنئاً لمن بعدهم من أولادهم، قطعت ما أمر الله به أن يوصل إذ عمدت إلى أموال قريش ومواريثهم، فأدخلتها في بيت المال جوراً وعدواناً، ولن تترك على هذا.