وبناه - صلى الله عليه وسلم - مربعًا، وجعل قبلته إلى بيت المقدس، وجعل طوله: سبعين ذراعًا في ستين أو يزيد، وذكر بعضهم أن ذرعه كان من القبلة إلى حده الشامي: أربعة وخمسين ذراعًا وثُلثَي ذراع، ومن المشرق إلى المغرب: ثلاث وستون ذراعًا، فيكون ذلك مكسَّرًا: ثلاثة آلاف وأربعمائة وأربعة وأربعين ذراعًا، وهذا محمول على بنائه في المرة الأولى. فإنه - صلى الله عليه وسلم - بناه مرتين - كما قال المحب بن النجار في كتابه:"الدرة الثمينة في أخبار المدينة":
المرة الأولى: حين قدم أقل من مائة في مائة، فلما فتحت خيبر بناه وزاد عليه في الدُّور مثله، وكان قد جعل له ثلاثة أبواب: بابًا في مؤخره، وباب عاتكة وهو باب الرحمة، والباب الذي كان يدخل منه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو باب عثمان.
ولما صُرفت القبلة إلى الكعبة وكان قد أقام ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا: سدَّ الباب الذي كان خلفه وفتح بابًا حذاءه، فكان المسجد له ثلاثة أبواب: باب خلفه، وباب عن يمين المصلي، وباب عن يساره. وأقام رهطًا على زوايا المسجد ليعدل القبلة حين حُوَّلت، فأتاه جبريل عليه السلام وكشف له عن الكعبة، وقال: يا رسول الله ضع القبلة وأنت تنظر، فوضع وهو ينظر إلى الكعبة لا يَحُول دون نظره شيء فلما فرغ قال جبريل عليه السلام: هكذا، فأعاد الجبال والشجر والأشياء على حالها: فصارت قِبلتُه إلى الميزاب.
وذكر بعضهم: أنه بُني أولًا بالسميط لَبِنَة على لَبِنَة، ثم بالسعيدة لَبِنَة ونصف، ثم بالذكَر والأنثى وهي لبنتان مختلفتان، فجعلوا (٥٨/ أ) خَشَبَهُ وسواريه جذوعًا، وظلَّلوه بالجريد، ثم بالخصف، فلما وَكَف عديهم: طينوه بالطين. وتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسجد كذلك، ولم يزد أبو بكر رضي الله عنه في المسجد شيئًا لاشتغاله بالفتح ثانيًا، فلما وَلىَ عمر قال أني أزيد في