٥ - لقد وصل ابن القطان في كتابه هذا إلى نتائج حاسمة في تحديد العورات للرجل والمرأة، وما يجوز للمرأة إبداؤه، وهو الوجه والكفّان فقط، وتردّد في القدمين، ومال إلى عدم الجواز، فجاء هذا الكتاب ردًّا على مَن أراد تجريد المرأة والرجل من الإِنسانية، وإِطلاقهما في غابة الهبوط الحيواني دون خلق، أو وازع، أو حياء، وهذه حالة مَرَضية في تاريخ الإِنسانية تتكرر آنًا بعد آن، فقد كانت قديمًا في الجاهلية:{وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}[الأحزاب: ٣٣] وتكون اليوم، وغدًا. . فلا بدَّ لعلماء الشريعة استهداءً بنور الوحي من بيان حكمها والعمل لسدّ خرقها.
وجاء كذلك ليردَّ على تشدُّد طائفةٍ غَلَت في الأمر، وأرادت إحاطة المرأة بضباب كثيف، وفرضت عليها تغطية كلِّ شيء فيها، وزعمت أن هذا هو الدين الحق!. . واني أقول لهؤلاء على الدوام: لو قلتم: إنها الغيرة على الحُرَم، أو الورع والاحتياط، لسلمنا ذلك لكم، ولن يلومكم أحد بل يُحمد لكم ذلك، أما أن تعتقدوا وتروِّجوا للغلوِّ، وتفسِّقوا المخالف، فهذا أمر لا يصفو لكم، ولا حجة لديكم.
وقد ردّ عليهم ابن القطان بالحجج الدامغة والأدلة البيّنة التي لا تدع قولًا لقائل، بعيدًا عن تطويح العواطف، ونزق الأحداث العارضة، فالشريعة دائمة بدوام الإِنسان، محيطة بكلِّ حياته وأفراده.
إنَّ المسلمين جميعًا إن شاء الله سينتفعون بهذا الكتاب، وستكون فائدته أعظم عند الباحثين عن الحق المنقبين بطمأنينة عن الدليل، ولا سيما في هذا الوقت الذي نرى فيه أفكارًا شاذَّة عن الزمان والمكان. . تصبّ الجهود لفرض هيئة معينة، والإِسلام يحاول المحاولون اقتلاعه من جذوره، ويعطيهم السُّذَّج من هؤلاء البرهان والمتمسَّك بخروج المرأة المسلمة في هيئاتها التي يروِّجون لها:{رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الممتحنة: ٥].