للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فصل]

وغضُّ البصر ليس من التروك المقصودة في نفسها، التي تتضمَّن معاني مقصودة كالصَّوم الذي يفيد كسر النَّفس، وكفَّها عن دواعي شهواتها، بل إنَّما يكون غضُّ البصر طاعةً، من حيث هو ترك معصية. وإذا عَزَّ (١) منظور إليه، حرم الشرع النظر إليه أو كرهه، كالكوز (٢) الذي به، تارك لشرب الخمر (أو للزنى) (٣) مثلًا، ليس باعتباره أنه كان أو يكون طاعة، بل باعتبار كونه تركاً للمعصية.

فإذاً تحتاج هذه التروك -وغضُّ البصر منها- في كونها طاعة، إلى قصد ترك المحرم منها (٤) والتقرب إلى الله سبحانه [وقصد ترك] (٥) التلبس بها، بأحرى وأولى من احتياج التروك المقصودة في نفسها إلى ذلك؛ واذ لا يعدُّ كل من لم يصدر منه شرب الخمر مطيعاً بتركه شربها، (إنما) (٦) يكون مطيعاً بترك شربها من عرضت له أو عرضت عليه، فأشعر نفسه الطاعة لله سبحانه، والتقرب إليه، بترك شربها، فتركها خوفاً وتقربًا؛ هذا هو الذي يكون مطيعاً بترك شرب الخمر، من حيث هو تارك لها.

وكذلك غض البصر (عمَّا نُهي) (٧) عن نظره، فأعرض عنه وغضَّ، ناوياً تركه كما أمر، متقرباً بذلك لمن (أمر) (*) به جلَّ وعلا؛ (فهذا) (٨) هو الذي يكون بغضِّه طرفَهُ مطيعاً، إما بواجب، وإما بمندوب.


(١) إذا قل فلا يكاد يوجد، وصار عزيزاً.
(٢) في الأصل "كالكون"، ولعلّه: "الكوز"؛ وهو إناء كالإبريق لكنه أصغر منه.
(٣) لعل هذه العبارة زائدة في الأصل.
(٤) في الأصل "بها"، ولعل الصواب: "منها".
(٥) ما بين المعقوفتين لا يوجد في الأصل، زدته لتستقيم عبارة الأصل.
(٦) في الأصل: "على حرما"؛ وهي عبارة غير مفهومة، ولعل الصواب: "إنما" كما أثبته.
(٧) في الأصل "فإذا له ما أنهى"؛ وهي عبارة غير مفهومة، ولعل العبارة كما أثبت.
(*) في الأصل: "ام"، والتصويب من المختصر.
(٨) في الأصل: "هذ"، ولعل الصواب ما أثبته.

<<  <   >  >>