ولتوضيح ما يجوز النظر إليه وما لا يجوز، قَسَم النظر إلى ما هو طاعة، وإلى ما هو معصية، وإلى ما هو معفوٌّ عنه، ومثَّل لهذا الأخير بنظر الفجأة، وانتهى في بحثه إلى أن جناية البصر من الصغائر تكفَّر بالطاعات، واحتجَّ بنصوص قرآنية وحديثية ...
وهكذا تعرَّض لجميع الأحكام المتعلِّقة بالنظر؛ سواء كان المنظور إليه ممَّا يجلب إلى النفس هوًى وولوعًا به، أو كان غير ذلك، وبذلك جاء كتابه جامعًا لكلِّ ما يتصوَّر وقوع النظر إليه في الواقع مع بيان حكم الإِسلام فيه.
إن كتاب:"إحكام النظر في أحكام النظر بحاسة البصر" يعتبر في الواقع من أجلِّ المصنَّفات في باب النظر، حيث أحاط بالجزئيات الصَّغيرة التي لا يلتفت إليها إلا مَن رزق سعة الإطلاع على اللصوص وبُعد النظر في فحواها.
٣ - بنية الكتابِ وتقسيمُه:
وإننا لنجد المصنف -رَحِمَهُ اللهُ- يملك القدرةَ العجيبةَ على حُسن التبويب والتفريعات, وأن ما يُعَنْوِنُ به الباب أو الفصل يكون في منتهى الدِّقَّة من حيث ترجمته لما يتضمنه الباب أو الفصل ترجمةً تدلُّ على قوة الفهم والوعي والإِحاطة بالموضوع؛ فمثلًا نجده يقول:"الباب الثاني في بيان ما يجوز إبداؤه للناظر وما لا يجوز"؛ فهذا العنوان ترجم به ما يجوز إظهاره من الجسد للناس، وما لا يجوز على وجه الحرمة أو الكراهة، سواء كان الذي يجوز إظهاره أو لا يجوز، وبالتالي جواز النظر إليه، أو عدم جواز النظر إليه، من الذكور أو الإِناث أو الخنثى .. وقد عقد لكلِّ صنف من هؤلاء فصلًا خاصًّا به، وتحت كل فصل مسائل ... وهذه الدقة في العناوين والتبويب والتفصيل أكسبتْهُ الموضوعيةَ في الدِّراسة، والدِّقة في الترتيب، ولا تجده يكرِّر المسألة التي سبق الحديث عنها إلا إذا دعَتْه المناسبة إلى ذكرها على وجه المقارنة، أو التفريق بينها وبين المسألة المماثلة لها والتي هو بصدد دراستها.