دواءً لكلِّ عليل بداء إطلاق العنان للنظر فيما لا يجوز شرعًا: وخاصَّة فيما يتعلَّق بما نصَّ الشارع على تحريم النظر إليه.
وقد حدَّد من خلال أبواب الكتاب الثمانية ما يجوز ابداؤه والنظر إليه، وما لا يجوز، معتمدًا في حكمه على ما دلَّت عليه النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، والأقوال المأثورة عن الصحابة والتابعين والعلماء المعتمدين، مناقشًا ومحلِّلًا ومعلِّلًا ... شأنه في ذلك شأن الجهابذة من العلماء المجتهدين.
والمتتبع لكتابه هذا عن كثب، يدرك مدى أهمية موضوعه، وعلاقته بالجانب الأخلاقيِّ، ذلك الجانب الذي يعتبر أساسيّا في إقامة المجتمعات السليمة ..
وغضُّ البصر في الإِسلام هو صيانة النفس من الوقوع في المعصية، وكبح جماحها عمَّا تهواه، وإطلاقُ العنان للبصر يفضي إلى ارتكاب ما يشان شرعًا وعرفًا.
ولمَّا كان النظر غير المباح، يشكِّل خطرًا على الناظر والمنظور إليه قد تنتهك به الأعراض والكرامات، ويتمُّ به الإطلاع على ما لا يحبُّ المنظور إليه الإطلاع عليه من طرف غيره، أمر الشارع بغضِّه في مواطن كثيرة، تتبَّعها المصنفُ في كتابه، وبيَّن أحكامها على ضوء الكتاب والسنّة وأقوال الأئمة المعتمدين.
وليس كلُّ ما نهى الشرعُ عن النظر إليه، هو من قبيل ما يجلب للنفس هوىً، كالنظر إلى المرأة الأجنبية، وإنَّما هناك أمور نهي الشرع عن النظر إليها، وإن كانت لا تحدث في القلب هوًى، وفي النفس ولوعًا بها، وقد مثل لذلك: بالنظر في بيت الغير من ثقب، ورفع البصر إلى السَّماء في الصَّلاه، والنظر إلى ما يشغل في الصلاة، والنظر إلى ما يجلب حبَّ الدنيا والغنى، ويُنسي شكرَ الله على النعم المسداة ... وساق كلَّ ما يتعلَّق بهذه الأمور من الأدلة الثابتة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - .. وقد نبّه المصنِّف إلى الغرض منْ غضِّ البصر، وهو تحقيق طاعة الله سواء كان الغضُّ واجبًا أو مندوبًا.