الحمدُ لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين، وصحابته الغُرِّ الميامين، وبعد:
فإن كتاب (إحكام النطر في أحكام النظر بحاسة البصر) للإمام الحافظ أبي الحسن علي بن محمد، المعروف بابن القطان الفاسي، كتاب عزّ نظيره، ونَدَر مثيله مضمونًا ومنهجًا، فقد تناول الأحكام الشرعية لحاسة البصر، وتتبَّعها في مظانها الفقهية وغير الفقهية، وصدَّرها بالآيات والأحاديث النبوية، واستخرج مدلولاتها من هذه وتلك بروح التمكُّن العلميِّ، والنظر الإجتهادي الذي يستند إلى الأصول والقواعد، فجاء أنموذجًا يحتذيه الدارسون الذين يستنبطون الأحكام، وينسبونها إلى الشريعة المحمدية، مع ورع ظاهر حتى في استعمال الألفاظ والكلمات، إنّه خزانة محشوَّة بالنصوص الشرعية، وآراء الفقهاء المذهبية، بترتيب محكم ورؤية تامة شمولية.
وقد كشف وجه الحق في هذه الأحكام، ولم يخلط الرأي الذي يدعمه الدليل والحجة بالرأي الذي يستند إلى العاطفة والهوى، ويسقط ذلك على الشريعة الغراء، وأُذكَّر أنه المرجع الحجة في هذا الباب، وسيبقى كذلك إن شاء الله، ولقد لقي القبول والإستحسان عبر العصور إلا أنه بقي منزويًا في صقع ذلك