وإنَّ أسلوبَه لشبيهٌ بأسلوب علماء الأندلس، كابن العربي وابن عبد البر والقرطبي، ولا غرابة في ذلك، إذ علمنا أنَّه تتلمذ للعديد من علماء الأندلس الذين وفدوا على المغرب على عهد الموحدين، وخصوصًا منهم المحدِّثين.
وبعد هاتين الملاحظتين العابرتين ننتقل للحديث عن المنهج الذي سلكه ابن القطان في كتابه هذا.
ولا أكون قد جاوزتُ الحدَّ في الثناء إذا قلتُ: إن كتاب: "النطر في أحكام النطر" من المصنَّفات العظيمة، وتتجلَّى عظمته في نواحٍ متعددة، منها:
١ - أنَّه أولُ كتابٍ صُنِّف في موضوع "النظر"؛ فله فضل السبق الزمني، وكلُّ من جاء بعده يعتمد عليه في بابه.
٢ - أنَّه يمتازُ بحسنِ العرض، وجودة الترتيب، والدقة في العناوين والتقسيمات والتفريعات، مع تتبع أقوال العلماء ومستنداتهم، ودراستها دراسة نقدية وموضوعية.
٣ - ولأهميته اعتبره العلماءُ الدين جاؤوا من بعده، من المصادرِ المهمَّةِ في بابه، ونال القبول والرضا في المشرق والمغرب، يجد فيه الفقيهُ ضالَّته، وكذلك المحدِّث.
ولبيان المنهج الذي اتبعه ابن القطان في تصنيفه كتاب:"النظر في أحكام النطر" أرى من الأفيد ذكر ما ورد في مقدّمته، حيث رسم فيه ما يوضح منهجه في العرض، وتتبع الأخبار والأحكام:
قال في بداية كتابه:
"وجعلتُ ما أذكره في كلِّ باب ممَّا بعد الباب الأول في مسائل، وهي منقسمة ثلاثة أقسام: قسم الفتوى فيه مقطوع بها، وقسم الفتوى فيه مظنونة، وقسم الفتوى فيه متردد فيها؛ كتبناه وبيَّنَّاه على الإحتمال فيه ليرى الناظر