للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن بيان فائدة التشبيه يستطرد إلى القول بأنّ تشبيه الشيئين أحدهما بالآخر لا يخلو من أربعة أقسام: إما تشبيه

معنى بمعنى، كقولنا: زيد كالأسد، وإمّا تشبيه صورة بصورة، كقوله تعالى: وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ، وإمّا تشبيه معنى بصورة، كقوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ، (١) وإمّا تشبيه صورة بمعنى، كقول أبي تمام:

وفتكت بالمال الجزيل وبالعدا ... فتك الصبابة بالمحب المغرم

فشبه فتكه بالمال والأعداء، وذلك صورة مرثية، بفتك الصبابة وهو فتك معنوي.

وعنده أن أبلغ هذه الأقسام الأربعة هو تشبيه معنى بصورة لتمثيله المعاني الموهومة أو المتخيلة بالصور المشاهدة، وأنّ ألطف هذه الأقسام هو تشبيه صورة بمعنى، لأنّ فيه نقل صورة إلى غير صورة.

وتقسيمه السابق للتشبيه هو تقسيم له من حديث المعنى، ولهذا نراه يقسمه مرة أخرى من حيث اللفظ أقساما أربعة أيضا هي: تشبيه مفرد بمفرد، وتشبيه مركب بمركب، وتشبيه مفرد بمركب، وتشبيه مركب بمفرد، موضحا كل ذلك بالأمثلة.

وهو يعني بتشبيه مفرد بمفرد تشبيه شيء واحد بشيء واحد، كما يعني بالمركب تشبيه شيئين بشيئين فما فوقهما، كقول بعضهم في الخمر:

وكأنّها وكأن حامل كأسها ... إذ قام يجلوها على الندماء

شمس الضحى رقصت فنقط وجهها ... بدر الدجى بكواكب الجوزاء


(١) القاع والقيعة بكسر القاف: المستوى من الأرض الذي لا ينبت.

<<  <   >  >>